وأكتفي في هذا المقام بذكر شاهدين من القرآن، لأن فيهما رداً ضمنياً على بعض من يطعنون في صحبة معاوية - رضي الله عنه -، وهما: قول الله تعالى:
أ- {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} الحديد: ١٠.
فبعض من يطعنون في صحبة معاوية يتهمونه بأنه لا يدخل في النصوص الواردة في حق الصحابة، لأنه أسلم بعد الفتح (١)! وهذه الآية خير ردٍّ عليهم، فإن الله - عز وجل - وعد الطائفتين -من أسلم قبل الفتح، ومن أسلم بعد الفتح- الحسنى، وهي: الجنة (٢).
ب- {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} التوبة: ٢٦.
فهذه الآية نزلت في شأن المؤمنين الذين حاربوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وكان منهم طائفة كثيرة من مسلمة الفتح، ومنهم معاوية - رضي الله عنه -.
يقول شيخ الإسلام ابن تيْميَّة: «وأعظم جيش جمعه النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان بحنين والطائف، وكانوا اثني عشر ألفا. وأعظم جيش غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: جيش تبوك، فإنه كان كثيرا لا يُحصى، غير أنه لم يكن فيه قتال. وهؤلاء المذكورون دخلوا في قوله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} فإن هؤلاء الطلقاء مسلمة الفتح هم ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل، وقد وعدهم الله الحسنى، فإنهم أنفقوا بحنين والطائف وقاتلوا فيهما، - رضي الله عنهم -» (٣).
(١) وقد تقدَّم في صدر الكتاب ذكر الخلاف في وقت إسلامه.
(٢) تفسير الطبري (٢٣/ ١٧٧).
(٣) مجموع الفتاوى (٤/ ٤٥٩).