ثالثاً: أن الحسن - رضي الله عنه - تنازل لمعاوية بمحض إرادته، وعن موضع قوة منه، ولم ينازعه شيئا بعد ذلك، بل لم يكن يفكر حتى في الملك؛ فلم يقبل معاوية على التخلص منه؟!
قال جبير بن نفير الحضرمي: «قلتُ للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ فقال: كانت جماجم العرب (١) بيدي يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها بأتياس أهل الحجاز؟!» (٢).
وقال ابن العربي: «فإن قيل: قد دس على الحسن من سمه.
قلنا: هذا محال من وجهين: أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسًا وقد سلم الأمر.
الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله فكيف تحملونه -بغير بينة- على أحد من خلقه في زمان متباعد لم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل المصمم» (٣).
رابعاً: لو كانت هذه القصة صحيحة، ومنتشرة معروفة؛ فلم سكتَ الحسين وسائر الصحابة عن هذه الجريمة المنكرة، وهم الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم؟! فسكوتهم هذا بمثابة الطعن فيهم، لأنهم رضوا بما وقع، وحاشاهم ذلك.
خامساً: إذا كان معاوية - رضي الله عنه - يريد أن يصفي الساحة من المعارضين حتى يتمكن من مبايعة يزيد بدون معارضة، فإنه سيضطر إلى تصفية الكثير من أبناء الصحابة - رضي الله عنهم -، ولن تقتصر التصفية على الحسن - رضي الله عنه - فقط (٤).
(١) جماجم العرب: سادتها ورؤساؤها.
(٢) إسناده حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات (الطبقة الخامسة، المتمم لصحابة، ١/ ٣١٨ - ٣١٩)، وفي سنده يزيد بن خمير، صدوق، كما في التقريب (٧٧٠٩).
(٣) العواصم من القواصم (ص: ٢١٣ - ٢١٤).
(٤) معاوية بن أبي سفيان، كشف شبهات ورد مفتريات (ص: ٢٠٨).