القسم السّابع
الاختلاف
فقه الخلاف في حياة الصّحابة - رضي الله عنهم -
أكثر ما يوهِن العزم، ويضْعِف القوم، ويمكِّن مِن الرِّقاب الخصم، الخلافُ غير السائغ، لما يترتَّب عليه مِنْ أمور وشرور. ومع أنَّ الإسلام أدعى الأديان للوحدة، إلَّا أنَّ أهله الأشدُّ اختلافاً وتفرّقاً، كما قال القائِل:
بَحَثْتُ عَن الأَدْيَانِ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا وَجُبْتُ بِلادَ الله غَرْباً وَمَشْرِقَا
فَلَمْ أَرَ كَالإِسْلامِ أَدْعَى لأُلْفَةٍ ولا مِثْلَ أَهْلِيهِ أَشَدَّ تَفَرُّقَا
وما أوقع كثيراً مِنَ المسلمين بهذا الواقع الأليم إلّا جهلهم العظيم بفقه الكتاب والسُّنَّة، فقد نظرت في الدَّاء العَيَاء الّذي أوهن الأمَّة لأَصِفَ الدَّواء وأَحْسِمَ البلاء، فوجدت أكثر النَّاس يقدِّمون القول والعمل على العلم، وهذا يجعل بينهم عقبات وأيّ عقبات؛ فحيث كانت الأقوال والأفعال عن غير علم كان البلاء حاضراً.
ولا ريب أنَّ العلم قبل القول والعمل، كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (١٩)} محمّد فبدأ بالعلم، فاعلم.
وإنَّك ترى انشغال أكثر النّاس بالأعمال المفضولة عن الفاضلة، وبالأقوال المرجوحة عن الرّاجحة، وبالفضائل عن المسائل، وبالجدل عن مغيّبات العِلَل، ومدار ذلك على ملابسة القول والعمل قبل العلم، وهذا من جهل فقه الأولويّات.
ولذلك تجد كثيراً مِنَ النَّاس لا يدري كيف يختار خير الخيرين، ولا كيف