يدفع شرّ الشَّرَّين، ولا يميز بين الفرض والنّدب، والأصل والفرع، ولا يدري الآثار الموقوفة من المرفوعة، ولا يفرّق بين الغثِّ والسَّمين واليسار واليمين.
ولا يمكن للمسلم أن يتخطَّى مجاهل هذه المسائل إلَّا بفقه أحكام الشّريعة العمليَّة من أَدلَّتها التَّفصيليَّة المتلقَّاة عن خير البريَّة - صلى الله عليه وسلم -، كالواجب، والمندوب، والمباح، والمحظور، والمكروه، والصحيح، والباطل أي أن يتفقَّه في الدِّين.
والفقه أنواع: فقه الكتاب، وفقه السُّنَّة، وفقه مراتب الأعمال وتفاضلها، والفقه المذهبي، وفقه اللغة، وفقه السُّنن الكونيّة، وفقه الواقع، وفقه الخلاف.
ورأس هذه الأنواع وذروة سنامها فقه الكتاب والسُّنَّة؛ لأنّ الفقه في كثير من المسائل يكون واجباً عينيّاً، أمّا الأنواع الأخرى فمعرفتها واجب كفائيّ.
وقد بيّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَضْلَ التَّفَقُّهِ وأمر بِهِ وحثَّ عَلَيْهِ ورغَّب فِيهِ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" (١)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "فَخِيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقهُوا" (٢).
وإلى ذلك دعا الله تعالى أصحابَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال - جل جلاله -: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)} التّوبة.
وضَرَرُ الجهل بمسائل الفقه أشدُّ مِن ضَرَرِ الجهل بغيرها، ويزاد فيه إذا لم يرجع إلى أهل العلم، وقصَّة صاحب الشَّجَّة معلومَة، روى أحمد عن ابْن عَبَّاسٍ
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ١/ج ١/ص ٢٥) كتاب العلم.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٤/ص ١٢٠) كتاب أحاديث الأنبياء.