واعْلَم أنَّ فضل عائشة - رضي الله عنها - في آخر الإسلام، ونقلها ونشرها للعلم، وروايتها وتوثيقها للسُّنَّة، لم تشركها فيه خديجة، فحسبها فضلاً أنَّها عَقَلَتْ منه - صلى الله عليه وسلم - ما لَمْ تَعْقِلْ غَيْرُهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَرَوَتْ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَرْوِ مِثْلُهَا كثير مِنَ الرِّجَالِ.
وقد فضلت عائشة - رضي الله عنها - على سائر النِّساء بمزيد محبَّته - صلى الله عليه وسلم - لها، قال - صلى الله عليه وسلم -: " وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ (١) عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" (٢).
فالحديث فيه دلالة على زيادة محبّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لعائشة على سائر أمّهات المؤمنين؛ فتشبيه فضل عائشة بفضل الثَّريد كناية عن مزيد محبَّته لها، فكما أنَّ الثَّريد أحبّ الأطعمة إلى نفوس العرب، كذلك عائشة - رضي الله عنها - أحبّ نسائه إليه - صلى الله عليه وسلم -.
أحب الناس إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها -
أخرج الشّيخان مِن رواية عَمْرو بْن العَاص أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَه عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، قَالَ: "فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ،
قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، فَعَدَّ رِجَالًا" (٣).
ويظهر أنَّ السّؤال كان عن أهله دون سائر النِّساء من فاطمة - رضي الله عنها - وغيرها، فقد جاء مقيَّداً من حديث أَنَسٍ الّذي أخرجه ابن حبّان بسند صحيح، قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ عن
(١) الخبز واللَّحم.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٤/ص ١٣٠) كتاب أحاديث الأنبياء.
(٣) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (م ٣/ج ٥/ص ١١٣) كتاب المغازي، ومسلم "صحيح مسلم بشرح النّوويّ" (م ٨/ج ١٥/ص ١٥٣) كتاب فضائل الصّحابة.