تفسير سورة القمر مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦)}
{اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} روي أن أنس بن مالك قال: "إن أهل مكة (٢٨٢ /أ) سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم القمر قد انشق نصفين، وحراء بينهما" (١).
وقيل: إن الماضي يعني المضارع؛ أي: ينشق يوم القيامة، وفي قراءة حذيفة: (وقد انشق القمر) (٢) كما تقول: أقبل الأمير؛ إذا جاء المبشر بقدومه، وعن حذيفة: أنه خطب بالمدائن، فقال: "ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم" (٣).
{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} يرده، وكفى به رادا، {مُسْتَمِرٌّ} أي: دائم، وكل من دامت طريقته مستمر. لما رأوا تواتر المعجزات قالوا: هذا سحر مستمر وقيل:
{مُسْتَمِرٌّ} قوي؛ من قولهم: استمر مريره؛ أي: تضاعفت قوته. وقيل: هو من قولهم استمر الشيء: إذا اشتدت مرارته، أي: هو مر في حلوقنا لا نستطيع أن نسيغه؛ كما لا يساغ المر الشديد المرارة، أي: مستبشع عندنا، مر لهواتنا.
{وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ} بدفع الحق بعد ظهوره. {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} أي: كل الأمر لا بد أن يصير إلى غاية أو {وَكُلُّ أَمْرٍ} من أمرهم فله قرار مستقر عندهم. {وَإِنَّ الْآخِرَةَ}
(١) حديث انشقاق القمر رواه البخاري رقم (٣٨٦٩، ٣٦٣٦)، ومسلم رقم (٢٨٠٠).
(٢) تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٧٣)، تفسير القرطبي (١٧/ ١٢٥)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ١٢٠)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٤٣)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٩٧).
(٣) نسبه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (ص: ١٦١ - ١٦٢) للحاكم والطبراني وأبي نعيم من رواية ابن علية عن عطاء بن السائب عن ابن عبد الرحمن، ونسبه لعبد الرزاق من وجه آخر عن عطاء، ولأحمد من رواية شعبة عن عطاء.