وتكليفهم السجود في الآخرة ليس لطلب ثواب ولا خوف عقاب، وإنما هو إظهار لما كانوا يفعلونه في الدنيا من السجود لغير الله تعالى، فمنعوا في الآخرة السجود لله؛ وليوبخوا على ذلك. يقال: ذرني وفلانا؛ أي: سلّم أمره إليّ فأنا أكفيكه.
استدرجه: إذا كلفه الإتيان إليه درجة بعد درجة، والمراد هاهنا بالاستدراج: الصحة والغنى، ويحسبون الإنعام عليهم إيثارا لهم على المؤمنين.
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ (٥٠)}
قوله: أن {الْغَيْبُ} أي: اللوح المحفوظ؛ فهم يكتبون منه ما يريدون، والمعنى: لا تكن مثل يونس بن متى حيث ذهب مغاضبا ولم يستأذن ربه فيما صنع. قيل: نزلت حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على قومه في نوبة أحد. وقيل: في هزيمة المسلمين في نوبة هوازن.
{وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)}
{لَيُزْلِقُونَكَ} من شدة تحديقهم إليك، ونظرهم شررا نظر المتغيظ إذا رأى من عدوه استقامة أمره وحنكته، وهو كقول الشاعر من الكامل:
يتقارضون إذا التقوا في موطن ... نظرا يزلّ مواطئ الأقدام (١)
قيل: كانت العين في بني أسد. وقيل: كان الرجل منهم إذا رأى شيئا يعجبه فقال: ما رأيت كاليوم قط. هلك ذلك المشار إليه؛ فأحضروا رجلا من بني أسد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما رأيت كاليوم قوة وفصاحة. وأراد أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فردّ الله كيده ونزلت الآية {وَإِنْ يَكادُ} (٢).
{وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} ختم السورة بما بدأ به أولها: {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}. {وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ} أي: شرف. وقيل: موعظة.
***
(١) ينظر البيت في: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (١/ ٣٤٢)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٥٩٧).
(٢) ذكره الواحدي في أسباب النزول (ص: ٤٦٣).