{يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١)}
{وَالرُّجْزَ} العذاب {عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} (١). والمعنى الثبات على هجره؛ لأنه كان بريئا منه. والرجس - بالسين -: الشيء المبعد {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} (٢) {تَسْتَكْثِرُ} مرفوع، منصوب المحل على الحال؛ ولا تعط شيئا؛ لتأخذ أجود منه، فيكون نهيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (٣١٩ /ب) خاصة أن يفعل ذلك؛ لأن الله اختار له أشرف الأخلاق والآداب، أو يكون نهي تنزيه لا تحريم. وقرئ "تستكثر" بالجزم (٣) وفيه وجوه:
أحدها: أن يكون بدلا من "تمنن"، وأن يشبه ثرو بعضد (٤) فيسكن تخفيفا، وأن يعتبر حال الوقف. {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أي: اجعل الصبر لوجه الله، ولا تكن كالذي قال من الكامل:
وتجلّدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع (٥)
قيل: فاصبر على أذى الكفار. وقيل: في مواقف القتال. فبين يديهم يوم عظيم يلقون فيه عاقبة أذاهم، وتلقى فيه عاقبة صبرك والفاء في "فذلك" للجزاء، فوقت النقر في الناقور يجيء يوم عسير شديد على الكافرين. والنقر في الناقور: النفخة الأولى. وقيل:
الثانية. ويجوز أن يكون "يومئذ" مبنيا مرفوع المحل بدل من "ذلك". و {يَوْمٌ عَسِيرٌ} خبر، كأنه قيل: فيوم النقر عسير. فإن قلت: ما فائدة قوله: {غَيْرُ يَسِيرٍ} وعسير مغن عنه؟ قلت: لما قال: {عَلَى الْكافِرِينَ} فقصر العسر عليهم قال: {غَيْرُ يَسِيرٍ؛} ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم. ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى يسره كما يرجى يسر كثير من العسر في الدنيا. {وَحِيداً} حال من الله - تعالى - وفيه معنيان: أحدهما: ذرني وحدي معه فأنا
(١) سورة سبأ، الآية (٦).
(٢) سورة الحج، الآية (٣٠).
(٣) قرأ بها الحسن وابن أبي عبلة. ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٣٧٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤١٢)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٣٢٥)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٤٦)، المحتسب لابن جني (٢/ ٣٣٧)، معاني القرآن للفراء (٣/ ٢٠١).
(٤) في الأصل: يشبه بعضد، والمثبت كما في الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٤٦) وأن يشبه ثرو بعضد.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة الطور.