{كانَ مِيقاتاً} كان في علم الله وحكمه أن يجعله وقتا للحساب أو حدا للخلائق ينتهون إليه {يَوْمَ يُنْفَخُ} بدل من قوله: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} أو عطف بيان. {فَتَأْتُونَ} من القبور إلى الموقف {أَفْواجاً} أمما. {فَكانَتْ أَبْواباً} أي: طرقا. {فَكانَتْ سَراباً} كقوله: {فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} (١). يعني: أنها تصير شيئا كلا شيء؛ لتفرق أجزائها.
المرصاد: الحد الذي يكون فيه الرصد، والمعنى: أن جهنم حد الطاغين الذين يرصدون فيه العذاب. وقيل: كانت مرصادا: طريقا لأهل الجنة. {أَحْقاباً} كلما مضى حقب تبعهم حقب. ولا يكاد يستعمل الحقب إلا حيث تتابع الأزمنة. ويجوز أن يكون قوله:
{لا يَذُوقُونَ} متعلقا ب "لابثين". التقدير: اللابثين {لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً} {إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً} يعذبون بهما، ثم بعد ذلك يعذبون بأنواع أخرى من التعذيب.
قوله: {إِلاّ حَمِيماً} استثناء من غير الجنس؛ لأن المراد بالبرد: ما ينفس عنهم حر النار، وليس في النار ما يخفف ولا يسكن ولا يخفف عنهم {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (٢).
{جَزاءً وِفاقاً} أي: ذا وفاق. {كِذّاباً} تكذيبا. وقرئ: "وكل شيء" بالرفع على الابتداء (٣). {كِتاباً} مصدر في موضع "إحصاء" أو "أحصيناه" في موضع "كتابا" أو يكون حالا في معنى مكتوبا في اللوح. قوله: {فَذُوقُوا} مسبب عن كفرهم بالحساب ويدل عليه قوله: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً} على أن الزيادة كالمستحيل؛ لأن "لن" عند الزمخشري إنما يؤتى بها في نفي المستحيل أو ما يقرب من المستحيل (٤). واحتج بقوله: {لَنْ تَرانِي} (٥) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار" (٦).
(١) سورة الواقعة، الآية (٦).
(٢) سورة الزخرف، الآية (٧٥).
(٣) قرأ بها أبو السّمال. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٤١٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤٦٦)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٣٦٧)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٩٠).
(٤) ينظر: الكشاف (٢/ ١٥٤، ١/ ١٠١) وفيه أن "لن" للنفي في المستقبل، وهي تفيد التأكيد والتشديد.
(٥) سورة الأعراف، الآية (١٤٧).
(٦) نسبه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (٤/ ١٤٥) للثعلبي في تفسيره، وزاد نسبته السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥٠٣) لعبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو بن العاص.