لما انهزم المسلمون في نوبة أحد صرخ صارخ: إن محمدا قد قتل فضعفت قلوب أقوام وانهزموا فعاتبهم الله بقوله: {وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} فيحتمل أن يراد به الحقيقة، أي: وليتم مدبرين، ويجوز أن يراد:
رجعتم عما أنتم عليه من التصميم على الحق.
وقد روي أن ناسا من ضعفاء المؤمنين قالوا: وددنا لو وجدنا من يأخذ لنا أمانا من عبد الله بن أبيّ بن سلول (١) {إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ}. أي: بقضائه وقدره. (وكائن) على وزن فاعل، وكأيّن (٢)، وهما لغتان معناهما: وكم. قرئ «قاتل معه»، وقرئ «قتل معه» (٣).
{رِبِّيُّونَ} أي: علماء. فقيل: معناه: وكأين من نبي قتل، وكان معه جماعة فثبتوا على دينهم بعد قتل نبيهم، فهلا فعلتم مثل ما فعلوا، فالمفعول الذي لم يسم فاعله مضمر في قتل. وقيل: المفعول الذي لم يسم فاعله «ربيون». قالوا: وما سمعنا بنبي قتل في حرب.
وقوله: {فَما وَهَنُوا} فما ضعفوا. ظاهره يدل على إخلاف الوهن والضعف أي: لم يشغلهم ذلك عن طلب المغفرة فبدؤوا بطلبها، ثم سألوا تثبيت الأقدام في اللقاء، والنصرة على الكفار، مع أن مثل الشدة (٢٧ /ب) تنسي الإنسان ما سواها ووصف ثواب الآخرة بالحسن، دون ثواب الدنيا؛ لأن ثواب الآخرة أكمل وأحسن وأجمل.
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ}
(١) هو عبد الله بن أبي مالك بن الحارث من بني عوف بن الخزرج، وسلول جدته نسب إليها، وهو رئيس المنافقين. توفي سنة ٩ هـ، وابنه عبد الله من فضلاء الصحابة شهد بدرا، وكان قد همّ يقتل أبيه فمنعه الرسول صلّى الله عليه وسلم. تنظر ترجمته في: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٥٢٦)، جمهرة الأنساب (ص: ٣٥٤).
(٢) قرأ ابن كثير «وكائن» وقرأ الباقون «وكأين». تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٧٢)، حجة القراءات لابن زنجلة (١/ ١٧٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٢/ ٢٢٥)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٢١٦)، الكشاف للزمخشري (١/ ٤٢٤).
(٣) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب «قتل»، وقرأ باقي العشرة «قاتل». تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٧٢)، الحجة لأبي زرعة (ص: ١٧٥)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٢١٧)، الكشاف للزمخشري (١/ ٤٢٤)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٤٢).