{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} أي: بالغرغرة. وفي الحديث: «إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر (١)». فإذا حضر أسباب الموت لم يقبل من الكافر إيمانه ولا من المؤمن توبته.
كان الرجل إذا توفي وله زوجة طرح ابنه أو وارثه على خبائها ثوبه أو مئزرا، ويعتقد أنه ورثها كذلك كما يرث أموال مورثه ومنافعه، فإذا أراد دخل عليها وأبقاها في عصمته بغير مهر، وإن شاء زوّجها لمن شاء وأخذ المهر، فنزلت {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} (٢).
وقوله: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} يجوز أن يكون مجزوما بالنهي، ومنصوبا بالعطف على أن ترثوا. {إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فله حينئذ أن يضيق عليها ويمنعها من الخروج، لتفتدي إن شاءت. {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} فلا تعجلوا بالطلاق. {فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}.
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)}
روي أن عمر قال على المنبر: يا أيها الناس لا تغالوا في مهور النساء، فلو كان خيرا لسبقكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا أعلم أحدا زاد على مهورهن إلا علوته بالدرة، فكانت مهورهن خمسمائة درهم، فقامت امرأة وقالت: يعطينا الله ويمنعنا عمر، فقال لها عمر: وأين أعطاك الله؟ فقالت: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر، كل الناس أفقه من عمر (٣)!
(١) رواه أحمد (١٥٣، ٢/ ١٣٢)، والترمذي رقم (٣٥٣٧)، وابن ماجه رقم (٤٢٥٣)، والحاكم في المستدرك (٤/ ٢٥٧)، من حديث ابن عمر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (٢٨٠٢).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٤/ ٣٠٦)، والواحدي في أسباب النزول (ص: ١٥١)، رقم (٣٠٠).
(٣) رواه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٢٣٣) وقال: هذا منقطع. وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٣٧) ونسبه لسعيد بن منصور وأبي يعلى وقال السيوطي: بسند جيد. -