قرئ {وَلا أَدْراكُمْ بِهِ} عطفا على {ما تَلَوْتُهُ} وكذلك قراءة من قرأ (ولا أدرأكم) (١). لكنه في الأول نفي الدراية، وفي الثاني إثبات لها لكن انقلب بدخول "لو" فصار الأول المنفي إثباتا؛ فإنه تلاه عليهم. والثاني المثبت نفيا؛ لأن المراد: ولا أدراكم به على لسان غيري، ولم يدرهم به على لسان غيره.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النّاسُ إِلاّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)}
{فَمَنْ أَظْلَمُ} في المفترين {مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ} وقوله: {كَذِباً} يجوز أن يكون مصدرا، كقولك: قعد جلوسا، ويجوز أن يكون مفعولا ل {اِفْتَرى} اقتطع كذبا.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ} إن تركوه {وَلا يَنْفَعُهُمْ} إن عبدوه.
{وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ} ويلزم من نفي علم الله بالشيء نفيه، لأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
وقد ادعى فرعون مثل هذا حماقة منه بقوله: {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} (٢) فيقال له: لا يلزم من عدم علمك بالشيء عدمه.
(١) قرأ ابن كثير بخلف عن البزي "ولأدراكم به" وقرأ باقي العشرة وهو الوجه الثاني عن البزي "ولا أدراكم به" ورواها الفراء "ولا أدرأتكم به"، وقرأ الحسن "ولا أدرأكم".
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٥/ ١٣٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ١٤)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٢٤)، الكشاف للزمخشري (٢/ ١٨٤)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٨٢).
(٢) سورة القصص، الآية (٣٨).