الإبل للرعي فيها صارت مواضع الرعي علامة أو كالعلامة، ولما كانت النخل ينتفع طلعا أبيض، وبلحا أخضر، وبسرا أصفر وأحمر، ومطرفا وتمرا ورطبا، أتى باسم النخل، ولما كان أكثر منافع الزيتون والعنب إنما هو ثمرتها على حالة واحدة - سمي شجرها باسم الثمرة، وإن انتفع بالحصرم من العنب، وهو انتفاع يسير بالنسبة إلى ثمرة العنب فلذلك سمّى شجرتهما باسم ثمرتهما.
وقوله: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} يجوز أن ينوب مناب المفعول، ويكون التقدير: وينبت لكم بعض الثمرات، ويجوز أن يكون المفعول محذوفا، أي: وينبت من كل الثمرات ما يقتات وما يتفكه به. {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ}، لتحصل مصالحكم وقوله {مُسَخَّراتٌ} أي: بالتسخير صارت مسخرات وهو قريب من قولك:
بريت الأنبوبة قلما، وعملت الخشبة بابا.
{وَما ذَرَأَ} أي: وخلق خلق {ذَرَأَ} بمعنى بث يريد: وطعومه وأرايحه؛ لأن منفعة اللون تعم من أكل من الثمرة ومن لم يأكل، ومنفعة الأراييح قليلة بالنسبة إلى ما سواها قوله: {لَحْماً طَرِيًّا} فيه إشعار بأن أطيب السمك الطري منه. {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها} وهي اللؤلؤ والجوهر، وقد يحتج بذلك على جواز تحلي الرجال باللؤلؤ؛ لأن الله ذكر ذلك في معرض الامتنان (١).
وقوله: {تَلْبَسُونَها} جمع للمذكر فإما أن تكون ذكورا خاصا أو ذكورا وإناثا وعلى التقديرين فالاحتجاج به حاصل، والمراد بالفلك هاهنا الجمع لقوله: {مَواخِرَ} جمع ماخرة، والماخرة التي تشق الماء. وقيل: التي يسمع لها صوت لشقها الماء.
وقيل: مواخر أي: مقلعات. {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} بالتجارة والاصطياد.
{وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩)}
= والحاكم في المستدرك (١/ ٣٩٠) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه. وصححه الشيخ الألباني في الإرواء (٣/ ٢٦٤) رقم (٧٩٢).
(١) ينظر: الأم للشافعي (١/ ٣٧٢)، مغني المحتاج للشربيني (١/ ٣٨٩).