{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)}
{وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ} جمع راسية، أي: ثابتة. وقوله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي:
كراهة أن تميد بكم، فتكون الجبال مرسية للأرض. {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} قال قتادة:
"خلق الله الكواكب ليهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ولزينة السماء بها، ولرجم الشياطين إذا استرقوا السمع، فمن ادعى فيها أنها تدل على ما يكون من الأمور والوقائع فقد افترى على الله" (١).وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} أي: لا تكون الأصنام (٩٩ /أ) مماثلة بما شبه الله، وقد سبق نظائره {قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} (٢). {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى} (٣). {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ} (٤) لأن من أشبهك فقد أشبهته و {النَّعَمِ} اسم جنس، ولهذا قال: {لا تُحْصُوها} أي: لا تحصوا عددها، ثم بيّن سبحانه تباعد ما بينه وبين الأصنام، فقال: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}، {وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} وما تشعر الأصنام متى يكون بعثها، وتكرر في الكتاب العزيز {لا يُحِبُّ} ولم يقل (يبغض) إلا قليلا، وجاء في السنة؛ لأن اسم الفاعل من أحب لا يوهم نقصا، واسم الفاعل من أبغض يوهمه، فلا يجوز أن يقال لله: يا مبغض. لقوله: {وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها} (٥).
ولأن المحبة هي الإيثار، وفعل الخير مع من تحبه، ومواهب الله لا تنقطع عنا، فهو محب ولا خير إلا منه، فلو قطع مداد الخير لم يتصل من جهة غيره فلزم من كونه {لا يُحِبُّ} أن يفوت جميع المصالح بخلاف قول القائل: إنني لا أحب ملك الهند ولا أبغضه. فلا يلزم من بغضي له فوات مصالحته فلا يستوي، ففي حق الآدمي قولي: لا أحب فلانا، وأبغضه.
ويستوي في حق الله - تعالى - أن الله لا يحب وأن الله يبغض.
(١) رواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٩١ - ٩٢) عن قتادة.
(٢) سورة البقرة، الآية (٢٧٥).
(٣) سورة آل عمران، الآية (٣٦).
(٤) سورة الأحزاب، الآية (٣٢).
(٥) سورة الأعراف، الآية (١٨٠).