موسى وقومه. {لا تَخافُ دَرَكاً} من فرعون {وَلا تَخْشى} في اليم غرقا، أو: لا تخشى شيئا تخافه مطلقا {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ} أي: أمر عظيم لا يقدر قدره {وَما هَدى} إنما جيء به؛ لأن الذي يضل قد يتفق له تارة أن يحسن ويوفي شيئا من الأفعال؛ لكن فرعون كان محض الضلال ولا يخلطه بشيء من الإحسان.
فهم موسى من قوله: {وَما أَعْجَلَكَ} أنه قد عتب عليه كيف تقدم قومه ولم يأت بهم معه؟ فاعتذر بأمرين: أحدهما: أن المكان الذي فارقهم فيه قريب جدا قال: {هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي} أي: ليسوا ببعيد مني.
والثاني: إنما عجلت لطلب رضاك.
{قالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)}
{قالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} أي: من بعد انطلاقك {وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ} وقرئ في الشاذ {وَأَضَلَّهُمُ} بضم اللام (١).
وروي أن السامري حين وصل إلى البحر مع موسى بعث الله جبريل راكبا فرس الحياة وقد خلق الله الحياة على صورة فرس، ولا تمر بشيء ولا يجد مسها شيء إلا حيى، وخلق الله الموت على صورة كبش أملح؛ كما جاء في الحديث أنه "يذبح الموت يوم القيامة، وقد جيء به على صورة كبش أملح" (٢) فرأى السامريّ فرس جبريل كلما وضعت حافرها على شيء من الأرض اخضر نباتها، فقال: إن لهذا شأنا، وأخذ من ذلك التراب شيئا، وكانت بنو إسرائيل لما أمروا بالخروج من ديار مصر استعاروا حليّا من قوم فرعون، ولم يتسع لهم الوقت أن يعيدوه إلى أربابه، فحملوه معهم فلما تجاوز موسى البحر، وغرق فرعون أمر الله موسى أن يختار من قومه سبعين رجلا ليسمعهم خطابه، فأبطأ عليهم موسى، فأخذ السامري ما معه من تلك التربة التي وطئها حافر فرس جبريل، وكان
(١) قرأ بها أبو معاذ القارئ. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٢٦٧)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٧)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٤٤٣).
(٢) رواه مسلم رقم (٥٥٨٧).