السامري صائغا فعمل صورة عجل، وألقى فيه من ذلك التراب فصار العجل يخور خوار الثور، وقال لهم السّامري: هذا العجل الذي يخور هو إلهكم وإله موسى، فنسي موسى وذهب يطلبه في الجبل (١٢١ /ب) فرجع موسى إلى قومه وقد أعلمه الله - تعالى - بضلال السّامري ومن تبعه، فسمع أصوات عبدة العجل يصرخون ويصفقون ويرقصون، فقال: هذا صوت الفتنة، واشتد غضبه حتى ضرب برأس أخيه يجره إليه، وكان موسى قد أعطاه الله - تعالى - الألواح، وقد كتب له في التوراة، فألقى الألواح من يده. قيل: ذهب من التوراة ستة أسباعها بإلقائها على الأرض غضبا (١).
قال موسى لقومه: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} وهو أن يؤتينا الله كتابا فيه علم ما نحتاج إليه من أمر الدين والدنيا {أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} لمدة غيبتي؟ وكان قد وعده انقضاء ثلاثين ليلة ثم أتمها أربعين ليلة {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} وقرئ {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ} أي: ينزل، وقرئ (يحل) (٢) من مجيء وقت الشيء، ومنه حلول الدين {غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} الذي غذاكم بكرمه ورباكم بنعمته.
{قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)}
{فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} لذلك {قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً} أي: أثقالا والوزر الثقل، سمي الوزير وزيرا؛ لأنه يحمل عن الملك أعباء مملكته.
قوله - عز وجل: {وَلكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً} هو الحلي الذي كان عندهم للقبط {فَقَذَفْناها} في صورة العجل {فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ} ما كان عنده من الحلي {فَأَخْرَجَ لَهُمْ} السامري
(١) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٥/ ١٥٧٢) رقم (٩٠١٦) عن ابن عباس - رضي الله عنهما.
(٢) قرأ الكسائي والأعمش وطلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب "يحل"، وقرأ الباقون "يحل".
تنظر القراءة في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٢٦٠)، حجة ابن خالويه (ص: ٢٤٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٥)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٢٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٧٩)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٢١).