{فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً} (١) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إن لبثتم ما بين النفختين، فإنه روي: "أن العذاب يرفع عنهم ما بين النفختين فيقومون وفي أعينهم طعم النوم" (٢)،ولهذا قال الله - تعالى - حكاية عنهم: {قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} (٣).
والثاني: إن لبثتم في الدنيا، تضاءل عندهم اللبث في الدنيا حتى عدوه ساعة؛ لأن أيام السرور قصار.
الوجه الثالث: إن لبثتم في القبور. قالوا: ولم توصف القيامة بأهول من هذا؛ فإنهم كانوا في القبور يعرض عليهم مقعدهم بالغداة والعشي بدليل قوله - تعالى: {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (٤) ومع ذلك رأوا أيام المقام في القبور كأنه نعمة، فاستقصروا مدة إقامتهم في القبور.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً (١٠٨)}
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ} واعلم أن لها أحوالا حالة تسير {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ} (٥) وتارة تذهب قوتها فتصير {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (٦) وتارة تصير {هَباءً مَنْثُوراً} (٧) وتارة كالرمل الذي يهال بعضه في إثر بعض {وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً} (٨) وتارة تسوى بها الأرض فلا يبقى فيها ارتفاع ولا انخفاض {لا عِوَجَ لَهُ} أي: لا عوج لهم عنه {وَخَشَعَتِ} ذلت
(١) سورة الإسراء، الآية (٥٢).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٨/ ٢١١)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٦٣) بنحوه وعزاه لهناد في الزهد، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري.
(٣) سورة يس، الآية (٥٢).
(٤) سورة غافر، الآية (٤٦).
(٥) سورة النبأ، الآية (٢٠).
(٦) سورة القارعة، الآية (٥).
(٧) سورة الفرقان، الآية ٢٣.
(٨) سورة المزمل، الآية (١٤).