الأرض كلها هي الصور ينفخ إسرافيل فيها فتصل أثر نفخته بالأجسام، فيقومون قائلين:
سبحان الله وبحمده (١).
ومنه قوله - تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} (٢). قوله: {زُرْقاً} أي:
عطاشا. وقيل: عميا؛ لأن الأعمى تبقى في عينه زرقة. {يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ} فإن الخوف يضعف الأصوات.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً (١٠٤)}
{أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أتمهم عقلا {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً} أرخ بالأيام وحق التأريخ أن يكون بالليالي، لكن ذاك يكون إذا اشتمل الزمان على وقتين ليل ونهار، وهاهنا ليس كذلك؛ لأنهم أرادوا أنهم لبثوا بياض يوم ليس فيه شيء من الليل. {فَيَذَرُها} أي: فيذر مواضعها. والقاع: الأرض المستوية المتسعة {صَفْصَفاً} خاليا أو ممتدا. العوج بالكسر يكون في المعاني وبالفتح في المرئيات تقول: في دينه عوج، وفي العصا عوج (٣).
واعلم أن الأرض إذا مسحتها وسويتها بحيث لا يظهر لك فيها اعوجاج، وأنت لو قستها بالمسطرة حصل لك رؤية عوج يسير لا يدركه الطرف، فيلحق ذلك الطرف بالمعاني لكونه غير مرئي، فإذا نفي ذلك لزم منه نفي ما هو مرئي بطريق الأولى.
{لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً} أي: لا ارتفاعا ولا انخفاضا. {يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ} هو إسرافيل ينادي: يا أيتها العظام البالية والأجسام المتلاشية، والشعور المتمزقة والأوصال المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. فإذا قاموا من القبور قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحان ربنا العظيم وبحمده (٤) (١٢٣ /أ) {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ}
(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٦/ ١٨٣)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٦١١) عن كعب.
(٢) سورة الإسراء، الآية (٥٢).
(٣) قال الراغب الأصفهاني في معجم مفردات ألفاظ القرآن (ص: ٣٦٣): والعوج: يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب ونحوه، والعوج: يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة. وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (٣/ ٣١٥): وهو بفتح العين مختص بكل شيء مرئي كالأجسام، وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والقول. وقيل: الكسر يقال فيهما معا، والأول أكثر.
(٤) تقدّم تخريجه قريبا.