وقرئ (ونسقيه) بفتح النون (١) وسقى وأسقى بمعنى. وقيل: سقاه أعطاه ماء ليشربه، وأسقاه: جعل له سقيا لأرضه ودوابّه، قال الله - تعالى: {فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ} (٢) (الأناسي) أصلها أناسين وقوم من العرب يقلبون النون ياء، ويحذفونها تخفيفا فيقولون: أناسي وأناسيّ بالتشديد والتخفيف.
{وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦)}
قوله - عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ} يعني: القرآن في الكتب المنزلة كلها. {فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً} فقالوا: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، وعن ابن عباس: «ما من عام أقل مطرا من عام ولا أكثر، ولكن الله - تعالى - قسم ذلك بين عباده على ما شاء، وتلا هذه الآية» (٣). فإن قلت: هل يكفر من ينسب الأمطار إلى الأنواء؟
قلت: إن كان لا يراها إلا من الأنواء، ويجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله - تعالى - فهو كافر، وإن كان يرى أن الله خالقها وقد نصب الأنواء دلائل وأمارات عليها - لم يكفر.
{وَلَوْ شِئْنا} لخففنا عنك أعباء الرسالة فبعثنا {فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً} لكنا عظمناك وجعلناك رسولا إلى الجميع فقابل ذلك بالتشدد {فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ} فيما يقترحون عليك {وَجاهِدْهُمْ} بالقرآن وبحججه وجعل الجهاد به كبيرا؛ لما يتحمل فيه من المشقة الشديدة. سمّي كلّ واحد من الماءين الكثيرين بحرا، والفرات: الشديد الحلاوة، والأجاج:
(١) قرأ بها أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما، وقراءة الباقين "ونسقيه".
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٥٠٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٥٧)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٨٥)، مجمع البيان للطبرسي (٧/ ١٧١).
(٢) سورة الحجر، الآية (٢٢).
(٣) رواه البيهقي في السنن الكبرى (٣/ ٣٦٣)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٢٦٤) ونسبه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس - رضي الله عنهما.