أن يطيعوه مع شدّة شكيمتهم في الكفر.
{لَوْلا أَنْ صَبَرْنا} ثبتنا على ديننا. {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي: لا بد لهم من العقوبة على كفرهم. وقوله: {مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} كالجواب عن قولهم: {إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا}.
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩)}
{أَفَأَنْتَ} تجبر هذا الكافر على الإسلام، وهو مطبوع على قلبه؟ كقوله: {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ} (١) {أَمْ} هذه منقطعة، أي: هذه المذمّة أشد مما قبلها، وقدم المفعول الثاني وهو {إِلهَهُ} للعناية. وقوله: {أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} ولم يقل: كلهم؛ لأنه كان فيهم من لا يرده عن الدخول في الإسلام إلا الكبر، وجعلوا أضل من الأنعام؛ لأن الأنعام تنقاد لأربابها وتجتنب ما يضرها بخلاف هؤلاء.
{أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ} ألم تنظر إلى صنيع ربك؟ وجعل الظل يمتد وينبسط لينتفع الناس به.
{وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً} في أصل كل مظلل من جبل أو شجر أو غيرهما، والظّلّ تتصرف الشمس فيه بالزيادة والنقصان.
{ثُمَّ قَبَضْناهُ} الظل (١٤٩ /ب) بالتقلص يسيرا يسيرا حتى صار في مكانه ضوء الشمس. {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً} أي: كاللباس الذي يغشى الجسد، و (السّبت) القطع، يقال: سبت رأسه إذا حلقها، وسمي يوم السبت؛ لأن الله - تعالى - فرغ من المخلوقات في آخر ساعة من يوم الجمعة ولم يخلق شيئا يوم السبت، وجعل القيام من النوم كالقيام من القبور. {نُشُوراً} إحياء، و (نشرا) جمع نشور، وهي المحيية للأرض بعد موتها ويبسها. قوله - عز وجل: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي: بين يدي المطر. {طَهُوراً} بليغا في طهارته. وقيل:
هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره. قوله: {بَلْدَةً} وإن كان مؤنثا لفظا فهو أيضا بلد مذكر، ولهذا قال: {مَيْتاً} ولم يقل: ميتة.
(١) سورة ق، الآية (٤٥).