وقرئ (وثمود) بغير تنوين (١) بتأويل القبيلة، وأمّا صرفه فعلى تأويل الحيّ أو الأب الأكبر.
قيل في «أصحاب الرّس» إنهم قوم من عبدة الأوثان، أصحاب آبار ومواش. وقيل: هم بقية من قوم شعيب. وقيل: هم أصحاب النبي حنظلة بن صفوان (٢)، وكان عندهم العنقاء، سميت به لطول عنقها، وكانت تنقضّ على أولادهم فتأخذهم لتهلكهم، فدعا عليها حنظلة فهلكت وانهارت بهم البئر. وقيل: رسّوه في البئر، أي: دفنوه فيها. وقيل: هم أصحاب الأخدود، والرسّ هو الأخدود (١٤٩ /أ) وقيل: الرس بأنطاكية، قتلوا فيها حبيبا النجّار (٣).
{بَيْنَ ذلِكَ} أي: بين أولئك المذكورين. {ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ} بينا له القصص العجيبة.
والتّتبير: التكسير والتفتيت، ومنه التّبر، وهو كسار الذهب والفضة، و {وَكُلاًّ} الأول منصوب بما دل عليه {ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ} وهو أنذرنا أو حذرنا أو منصوب ب «تبّرنا» لأن الفعل مفرّغ له. أراد ب {الْقَرْيَةِ} سدوم، وهي إحدى قرى قوم لوط، وكانت خمسا، أهلك الله أربعا بأهلها وبقيت واحدة.
قوله - تعالى: {أُمْطِرَتْ} إمّا القرية وإمّا أهلها، ولذلك جاء {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ} (٤) {وَأَمْطَرْنا عَلَيْها} (٥) وكانت قريش كثيرا ما تمرّ على تلك الآثار. {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها} في مرار مرورهم، بلى مرّوا ونظروا ولكن كانوا لا يؤمنون بالبعث فلم ينفعهم نظر العين.
{بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ} أي: لا يؤملون خيرا، ولا يخافون عاقبة.
{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ} ما يتخذونك {إِلاّ هُزُواً} أي: مهزوءا به، أو محلاّ للهزء، أو نفس الهزء مبالغة. وقوله: {أَهذَا الَّذِي} استصغار، وقولهم: {إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا} إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة، وفي الكلام دليل على مبالغة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في دعائهم حتى كادوا
(١) قرأ حفص عن عاصم وحمزة ويعقوب (وثمود)، وقرأ الباقون (وثمودا). تنظر في: إتحاف فضلاء البشر للبنا (١/ ٣٢٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ١١١)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٣٧)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٨٠)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٨٩ - ٢٩٠).
(٢) قال العيني في عمدة القاري (١٧/ ٧٢): "من الأنبياء في الفترة حنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس قال ابن عباس: كان من ولد إسماعيل عليه السّلام وكان في فترة".
(٣) ذكر هذه الأقوال الزمخشري في الكشاف (٣/ ٢٨٠).
(٤) سورة الأعراف، الآية (٨٤).
(٥) سورة هود، الآية (٨٢).