قرئ {وَيَضِيقُ} {يَنْطَلِقُ} بالرفع فيهما؛ لأنهما معطوفان (١) على خبر "إن" وقرئ بالنصب (٢) لعطفهما على صلة أن، والفرق بينهما في المعنى أن الرفع يفيد أن فيه ثلاثة علل: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان، والنصب على أن خوفه متعلق بهذه الثلاثة. فإن قلت: في النصب تعليق الخوف بالأمور الثلاثة، وفي جملتها نفي انطلاق اللسان، وحقيقة الخوف إنما هو غمّ يلحق الإنسان لأمر سيقع وذلك (١٥٤ /ب) كان واقعا، فكيف جاز تعليق الخوف به؟
قلت: قد علق الخوف بتكذيبهم وبما يحصل له بسببه، وضيق الصدر والحبسة في اللسان زيادة على ما كان به، على أن الحبسة التي في لسانه قد زالت بدعوته.
وقيل: بقيت منها بقية يسيرة. فإن قلت: اعتذارك هذا يرده الرفع؛ لأن المعنى: إني خائف، ضيق الصدر، غير منطلق اللسان!
قلت: يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة بإطلاق لسانه واستجابتها، ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقي منها، ويجوز ألا يكون مع حل العقدة من لسانه من الفصحاء، فإن العقدة انحل بعضها وبقي منها بقية، ولذلك قال فرعون عن موسى: {وَلا يَكادُ يُبِينُ} (٥٢) (٣) أي: لا يفصح عما يريد أن يتكلم به.
{فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ} أرسل إليه جبريل واجعله نبيّا، وهذا اختصار للقصة؛ كقوله:
{فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً} (٣٦) (٤) فاقتصر على ذكر طرفي القصة. فإن قيل: كيف ساغ لموسى أن يعتذر بعد أمر الله له بمشاركة هارون في النبوة وهي رتبة عظيمة؟ قلت: موسى لم يعتذر، وإنما قصد إزاحة علته وأن موسى رجل واحد فقير، وغريمه فرعون بلغ من كبره أنه ادعى الإلهية، وكفى بطلبه العون بأخيه دليلا على أنه قبل ولم يعتذر.
(١) في الأصل: لأنه معطوف. والمثبت هو الصحيح.
(٢) قرأ يعقوب من العشرة "ويضيق صدري ولا ينطلق لساني" وقرأ الباقون "ويضيق صدري ولا ينطلق لساني". تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٧)، تفسير القرطبي (١٣/ ٩٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٧٠)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٠٢)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٣٥).
(٣) سورة الزخرف، الآية (٥٢).
(٤) سورة الفرقان.