أراد بالذنب قتله القبطي، أي: ولهم عليّ تبعة ذنب، وهي قود القتل (١) سمّي جزاء التبعة ذنبا مجازا، وأراد أنه خائف أن يقتل قبل أداء الرسالة، فيفوت القصد
{قالَ كَلاّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦)}
وقوله: {كَلاّ} أي: ليس يقدر على قتلك. وقوله: {فَاذْهَبا} إجابة لموسى في جعل هارون نبيّا معه وزيرا. قوله عز وجل: {مَعَكُمْ} و {مُسْتَمِعُونَ} خبر ل "إن" وهذا من مجاز الكلام يعني: إنني أشاهد ما يجري منكما وأنا قادر على دفعه عنكما.
ومن صفات الله تعالى السميع، ولكن لا يسمى مستمعا؛ لأن المستمع هو المصغي، والاستماع من السمع، كالنظر من الرؤية، فإن قيل: لم أفرد {رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} وقال في موضع آخر: {إِنّا رَسُولا رَبِّكَ} (٢)؟ قيل: أراد بالإفراد المصدر، كأنه قال: إنا ذويا رسول ربك، فأفرد كما يفرد المصدر؛ كقوله من المتقارب:
ألكني إليها وخير الرّسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر (٣)
وكقوله (١٥٥ /أ) من الطويل:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بزور ولا أرسلتهم برسول (٤)
(١) القود: قتل النفس بالنفس، والقود: القصاص، وأقدت القاتل بالقتيل: قتلته به.
ينظر: لسان العرب (قود).
(٢) سورة طه، الآية (٤٧).
(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ينظر في: شرح أشعار الهذليين (ص: ١١٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٠٤)، لسان العرب (لوك)، المخصص لابن سيده (١٢/ ٢٢٥) وألكني: أرسلني. والرسول هنا مصدر فجاز إفراده مع تعدد معناه، ولذلك عاد إليه ضمير الجمع في "أعلمهم"، وشبه الخبر بمكان ذي جهات على الاستعارة المكنية.
(٤) البيت لكثير عزة ينظر في: تهذيب اللغة للأزهري (١٢/ ٣٩١)، ديوان كثير (ص: ١١٠)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٤٤)، لسان العرب (رسل)، النكت والعيون للماوردي (٣/ ١٧٢) ويروى: ما بحت عندهم بسر ... والواشون: الذين يخلطون الصدق بالكذب ويحرفون الكلم عن مواضعه، ورسول: رسالة.