وقرأ ابن مسعود (من الجاهلين) (١) أي: فعلت فعل أولي الجهل والسفه، كما قال يوسف لإخوته: {قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ} (٨٩) (٢) أو المخطئين، أي: لم أتعمد القتل، بل كنت مخطئا أو الناسين {أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى} (٣) ثم كرر موسى على إبطال ما عدد فرعون عليه من النعيم، يعني إن هذا الذي عددته نعمة هو نقمة على التحقيق، فإنه ما أكرم من أهين قومه. {عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ} اتخذتهم عبيدا. وقوله: (إذن) جزاء وجواب فما وضعه وقوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} كأنه قال: وجازيتني على حسن التربية قتلت خبازي، وأما الجواب فهو حاصل.
وأفرد في قوله: {تَمُنُّها} وفي {مِنْكُمْ} جمع، وكذلك (١٥٥ /ب) قوله: {خِفْتُكُمْ} لأن الخوف والفرار لم يكونا من فرعون وحده، ولكن منه ومن ملئه {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} (٤) وأما الامتنان والتعبيد فمن جهة فرعون خاصة.
قوله: {وَتِلْكَ} إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا تعرف إلا بتفسيرها، وقد فسرها بقوله: {أَنْ عَبَّدْتَ}. وقال الزجاج (٥): إنما ألقي موسى في اليم للخوف عليه حين كان يبقي الغلمان، ويقتل الذكور، فلو لم تفعل ذلك لكفلني أهلي.
وقول فرعون: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} سؤال عن حقيقة ذاته، فأجاب موسى بأن الذي يعرف من صفات الله مخلوقاته وآثاره، فأما ذاته سبحانه تعالى فلا سبيل إلى معرفتها إنه شيء لا كالأشياء، ومعنى سؤال فرعون إنكار أن يكون للعالمين إله سواه.
تعجب فرعون والحاضرون من جواب موسى، حيث نسب الربوبية إلى غيره، ولما ثبت موسى على التعريف بآثار الله ومخلوقاته جننه فرعون وقال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ}
(١) وقرأ بها أيضا ابن عباس.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ١١)، تفسير القرطبي (١٣/ ٩٥)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٩٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٠٥)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٢٧٩).
(٢) سورة يوسف، الآية (٨٩).
(٣) سورة البقرة، الآية (٢٨٢).
(٤) سورة القصص، الآية (٢٠).
(٥) ينظر: معاني القرآن للزجاج (٤/ ٨٧).