أقسموا بعزة فرعون، ولا يجوز القسم بغير الله ولو كان معظّما في الشرع، كالنبي والكعبة، فكيف بفرعون (١٥٦ /ب) وعزته؟! وقد استحدث الناس جاهلية؛ يحلف أحدهم بالله وبصفاته فلا يقبل منه حتى يحلف برأس سلطانه، فهي عندهم جهد اليمين (١).
{ما يَأْفِكُونَ} ما يقلبونه عن الحق بالسحر والتخييل. أو: ما يكذبون، جعل أفعالهم كذبا مجازا. {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} لأنهم لم يتمالكوا حين رأوا ما رأوا أن أسرعوا في السقوط.
{ساجِدِينَ} فاعل إلقائهم هو الله الذي قذف في قلوبهم الإيمان، أو إيمانهم، أو ما رأوه من الآيات. {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبال ما فعلتم.
{قالُوا لا ضَيْرَ إِنّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمّا تَراءَ االْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣)}
{لا ضَيْرَ} أي: لا ضرر علينا في ذلك بل هو أعظم نفع، وهو نصرة دين الحق. أو لا ضير علينا فيما تعذبنا به؛ لأنه لابد من لقاء الله حتى يأخذ كل ذي حق حقه، وخبر {لا ضَيْرَ} محذوف، أي: لا ضير علينا في ذلك {أَنْ كُنّا} لأن كنا، وكانوا أول جمع أسلموا حينئذ.
وقيل: أول جمع من قوم فرعون أو من المشهد، وقرئ {أَنْ كُنّا} بالكسر (٢)، وهو من الشرط الذي يقوله من يدل بحصوله، ومنه قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي} (٣)
(١) قاله الزمخشري في الكشاف (٣/ ٣١٢) ومثل هذا ما يقع من بعض الجهال من القسم بالطلاق والشرف وغير ذلك، وقد يكون عنده وعند من يقسم له أن القسم بذلك أشد وآكد من القسم بالله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا من الطامات التي أصيب بها المسلمون، ومن المعلوم أن القسم لا يكون إلا بالله كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت" وورد في ذلك الكثير من الأحاديث تنظر في كتب الحديث.
(٢) قرأ بها أبان بن تغلب وأبو معاذ. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ١٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٧٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣١٣)، المحتسب لابن جني (٢/ ١٢٧).
(٣) سورة الممتحنة، الآية (١).