أي: بعضهم أولى بأن يرث البعض من الأجانب، ويجوز أن يكون لابتداء الغاية، أي:
أولى بالميراث، أي: أولى من المؤمنين بحق الولاية في الدين، ومن المهاجرين بحق الهجرة.
فإن قلت: مم استثنى قوله: {إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا؟} قلت: من أعم العام في معنى النفع والإحسان؛ كما تقول: القريب أولى من الأجنبي بالتركة إلا أن يوصى له، والمراد بفعل المعروف الوصية؛ لأنه "لا وصية للوارث" (١).وعدي {تَفْعَلُوا} ب "إلى" لأنه في معنى تسدوا، والمراد بالأولياء: المؤمنون والمهاجرون، الولاية في الدين.
{ذلِكَ} إشارة إلى الآيتين جميعا، وتفسير الكتاب ما مرّ آنفا، والجملة مستأنفة كالخاتمة لما ذكره من الأحكام.
{وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧)}
واذكر حين أخذنا من النبيين جميعا ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء للدين القيم {وَمِنْكَ} خصوصا {وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} وإنما فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة عن الأشهاد المؤمنين الذين صدقوا عهدهم، ووفوا به من جملة من أشهدهم على أنفسهم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} (٢) بصدقهم في عهدهم وشهادتهم فتشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم، وأنهم وفوا بما عاهدوا الله عليه.
أو: ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم؛ لأن من قال لصادق: صدق. كان صادقا في قوله، أو: ليسأل الأنبياء: ما الذي أجابتهم به أممهم؟ وفائدة سؤال الرسل تبكيت أممهم المكذبين. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعده مشايخ الأنبياء؛ أما نوح فلأنه الأب الأصغر، والخلق كلهم أولاده، وأما إبراهيم؛ فلأنه أبو هذه الأمة؛ قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ} (٣). وأما موسى وعيسى؛ فلأنهما صاحبا الكتابين والشريعتين؛ لأن هذا الذكر
(١) هذا جزء من حديث أبي أمامة في خطبة الوداع، رواه أحمد في المسند (٥/ ٢٦٧)، وأبو داود رقم (٢٨٧٠)، والترمذي رقم (٦٧٠)، وابن ماجه رقم (٢٥٠٧)، وحسنه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني في الإرواء رقم (١٦٥٥، ١٦٣٥).
(٢) سورة الأعراف، الآية (١٧٢).
(٣) سورة الحج، الآية (٧٨).