أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك؛ فيجب لها الأقل منهما ولا ينقص عن خمسة دراهم عند أبي حنيفة؛ لأن أقل المهر عنده عشرة؛ فنصف المهر خمسة (١). فإن قلت: ما وجه من قرأ: {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} بالرفع (٢)؟
قلت: وجهه الاستئناف. والسراح الجميل: طلاق السنة.
{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١)}
{مِنْكُنَّ} للتببين لا للتبعيض.
{بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الظاهرة القبح، وهي الكبيرة، والمراد: كل ما اقترفن من الكبائر، وقيل: هو عصيانهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهن وطلبهن منه ما يشق عليه. وقيل: الزنا.
والله عاصم رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك كما مرّ في حديث الإفك، وإنما ضوعف عذابهن؛ لأن ما قبح من سائر النساء كان منهن أشد قبحا (١٩٢ /ب) لأن زيادة قبح المعصية يتبع زيادة الفضل والمرتبة، وليس لأحد من النساء من الفضل مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا على واحدة منهن من نعم الله ما عليهن، وأجلّها تزويجهن النبي صلى الله عليه وسلم، وذم العاصي العالم أشد من ذم الجاهل؛ ولذلك فضل حد الأحرار على حد العبيد (٣) حتى إن أبا حنيفة وأصحابه لا يوجبون الرجم على الكافر (٤). {وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} إعلام بأن
(١) ينظر: شرح فتح القدير لمحمد بن عبد الواحد السيواسي (٣/ ٣٢٧)، فتاوى السعدي (١/ ٢٩٥).
(٢) قرأ جمهور القراء "أمتعكن وأسرحكن" بالجزم، وقرأ حميد الخزاز "أمتعكن وأسرحكن" بالرفع على الاستئناف. تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٢٢٧)، تفسير القرطبي (١٤/ ٧٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤١٢)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٢٧٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٣٤).
(٣) زيادة من الكشاف (٣/ ٥٣٦).
(٤) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (٥/ ٩٨)، بدائع الصنائع للكاساني (٧/ ٣٨) قال الجصاص:
"واختلف الفقهاء في الذميين هل يحدان إذا زنيا؛ فقال أصحابنا والشافعي: يحدان، إلا أنهما لا يرجمان عندنا، وعند الشافعي يرجمان إذا كانا محصنين. وقال مالك: لا يحد الذميان إذا زنيا. قال أبو بكر: -