{وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢)}
{إِنَّ فِي ذلِكَ} إن في النظر في آيات (٢٠٠ /ب) السماوات والأرض. {لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} وهو الراجع إلى ربه سبحانه وتعالى المطيع له. قوله: {يا جِبالُ} إما أن يكون بدلا من {فَضْلاً} وإما من {آتَيْنا} وقوله: {يا جِبالُ} بتقدير: قولنا يا جبال. أو: قلنا: يا جبال. وقرئ: (أوبي) وأوبي من التأويب، والأوب أي: رجعي معه التسبيح أو ارجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه (١) ومعنى تسبيح الجبال: أن الله يخلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة.
فإن قلت: أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال: {وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً} تسبيح الجبال؟ قلت: الفرق بينهما أن الذي في الآية دال على عظمة الله وكبريائه؛ حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين ينادون ويخاطبون. {وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ} جعلناه ليّنا كالطين والعجين يصرفه بيده كيف يشاء. وقيل: إن داود عليه السلام كان قويّا، فكان الحديد في يده كالعجين في يد غيره {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي: لا تجعل الحلق ضيقة فتفصم، ولا واسعة فتفلق، والسرد: نسج الدروع {وَاعْمَلُوا} الضمير لداود ولأهله.
{وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ} منصوب ب {سَخَّرْنَا} المضمر؛ فمن قرأ "الرياح" بالرفع أو "الريح" فهو مبتدأ خبره {وَلِسُلَيْمانَ} ومن نصب فهو مفعول ب "سخرنا" (٢).
{غُدُوُّها شَهْرٌ} جريها بالغداة مسيرة شهر، وبالعشي مثل ذلك. {عَيْنَ الْقِطْرِ} النحاس وكان قد أذيب له ينبع من تحت الأرض كما ينبع الماء. {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بتسخيره. {وَمَنْ يَزِغْ} يمل عن أمرنا له بطاعة سليمان. {عَذابِ السَّعِيرِ} هو عذاب الآخرة. وقيل: كان معه
(١) الكشاف (١/ ١٠١٦).
(٢) قرأ جمهور القراء "الريح" بالنصب، وقرأ شعبة عن عاصم "الريح" بالرفع، وقرأ أبو جعفر "الرياح" بالنصب. تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٢٦٤)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٩٢)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٥٨٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٣٤)، السبعة في القراءات لابن مجاهد (ص: ٥٢٧)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٨٢)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٤٩).