الواقفين عليه: هذه الجنية التي على رأسه تتكلم بالهندي (١).
فإن قلت: {حَتّى} غاية لماذا؟ قلت: لما دل عليه الكلام من شفاعة من يشفع، وانتظار الإذن وتوقع الشفاعة أن ينزل عليه الإذن، وإذا نزل زال الهم والوجل عن قلوبهم.
وقرئ {قالُوا الْحَقَّ} برفع" الحق " (٢).أي: قوله الحق. {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ذو العلو والكبرياء فليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه. أمره بأن يقررهم بقوله:
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقولهم:
يرزقكم {اللهُ} وذلك إشعار بأنهم مقرون بأن الله رازقهم، فكيف يعبدون من لا يخلق ولا يرزق؟ لأن في قلوبهم من العناد ما أخرسها عن النطق بالكذب. {وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ} هذا تقسيم يسمى تجاهل العارف، وهو هاهنا في قوله: {وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وهو يعلم أنه على هدى، وأن الكافر في ضلال مبين، ومثله قول الشاعر من الطويل:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم (٣)
وقول حسان من الوافر:
أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّكما لخيركما الفداء (٤)
(١) ينظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٤٥)، وذكر ابن منظور في لسان العرب (كأكأ) أن صاحب هذه القصة هو عيسى بن عمر وهذا من كلامه.
(٢) قرأ بها ابن أبي عبلة وقراءة الجمهور بالفتح.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٢٧٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٤٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٥٨)، معاني القرآن للأخفش (٢/ ٤٤٥).
(٣) البيت لذي الرمة، ينظر في: أدب الكاتب لابن قتيبة (ص: ٢٢٤)، الأزهية في الحروف للهروي (ص: ٣٦)، الأغاني للأصفهاني (١٧/ ٣٠٩)، الخصائص لابن جني (٢/ ٤٥٨)، الدرر اللوامع (٣/ ١٧)، ديوان ذي الرمة (ص: ٧٥٠)، شرح أبيات سيبويه للسيرافي (٢/ ٢٥٧)، شرح المفصل لابن يعيش (١/ ٩٤)، الكتاب لسيبويه (٣/ ٥٥١)، لسان العرب (جلل)، المقتضب للمبرد (١/ ١٦٣)، همع الهوامع للسيوطي (٢/ ٢٧).
(٤) ينظر في: تذكرة النحاة (ص: ٧٠)، الدرر اللوامع (١/ ٢٩٦)، ديوان حسان (ص: ٧٦)، مغني اللبيب لابن هشام (ص: ٦٢٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٨٢)، المقتضب للمبرد (٢/ ١٣٧)، همع الهوامع للسيوطي (١/ ٢٨٩).