وإنما جعل حرف الجر المعدي لفعل الضلال جره ب "في"، وجعل المتعدي إلى الهدى جره ب "على" لأن (٢٠٣ /أ) صاحب الحق كالراكب على جواد مستعليا عليه وصاحب الباطل على شك وتردد.
{قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)}
وقوله: {لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمّا} كقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (١) حتى زعم زاعمون أن هذه الآية منسوخة وليس ذلك بصحيح؛ لأن النسخ على خلاف الأصل، ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره؛ فهو أولى من الحمل عليه بالنسخ، والمذكور في هذه الآية وهو قوله: {لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمّا} باق على حكمه لم ينسخ فإنّ أحدا لا يسأل عن أحد، وكذلك قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} فإن لكل أحد دينه لا لغيره.
{يَفْتَحُ بَيْنَنا} يحكم الله بيننا، وإنما قال: {أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ} مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم ويشاهدهم؛ لأنه أراد أن يبين لهم خطأهم في دعواهم الشركة لهم.
{كَلاّ} رد وردع لهم عن اعتقادهم الفاسد بعد ما أوضح بطلانه.
{وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ (٣١)}
{إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ} الرسالة عامة. وقال الزجاج (٢): المعنى كافّا للناس، والهاء للمبالغة كما تقول: علامة ونسابة، وحماد الراوية، ومن جعله حالا من المجرور فقد أخطأ؛
(١) سورة الكافرون، الآية (٦).
(٢) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/ ٢٥٤).