{وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠)}
{وَحِفْظاً} محمول على المعنى، أي: إنا زينا السماء الدنيا، وحفظناها. والمارد:
الخارج من الطاعة، والضمير في {لا يَسَّمَّعُونَ} لجميع الشياطين؛ لأنه في معنى شيطان، يقال: تسمع فسمع، وتسمع فلم يسمع. وعن ابن عباس: "إنهم يتسمعون ولا يسمعون" (١).وقوله: {لا يَسَّمَّعُونَ} ليس بصفة؛ لأن نفي السمع من شيطان لا يسمع لا فائدة فيه، و {لا يَسَّمَّعُونَ} مستأنف، التقدير: أن سائلا قال: فما شأنهم عند التسمع؟ قلت: لا يسمعون، وهم مطرودون عن التسمع. {إِلاّ مَنْ خَطِفَ} خطفة فاسترق فعندها (٢١٦ /أ) تعاجله الهلكة باتباع الشهاب الثاقب.
فإن قيل: هل يجوز أن يكون أصله: لئلا يسمعوا؛ فحذفت اللام كما حذفت في قولك:
جئتك أن تكرمني، فبقي أن يسمعوا، فحذفت أن وأقر عملها؟ قلنا: الحذف في هذين الحرفين معا منكر، أما حذف أحدهما فجائز، ولا يحمل الكتاب العزيز على الشذوذ المنكر؛ تقول: سمعت الحديث بمعنى: أدركته، وسمعت إلى الحديث بمعنى: أصغيت وأدركت. و {الْمَلَإِ الْأَعْلى} الملائكة؛ لأنهم سكنوا السماوات، والملأ الأسفل هم الجن والإنس؛ لأنهم سكنوا الأرض. وقيل: هم الحفظة من كل جانب من السماء من أي جهة صعدوا للاستراق. الدحور: الطرد، أي: يرمون بالشهب طردا، أو {دُحُوراً} حال والواصب: الدائم؛ بمعنى أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب مع أنهم أعد لهم نوع من العذاب دائم لا ينقطع.
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣)}
الهمزة تنقل الكلام من الاستفهام إلى التقرير، ولذلك قيل: {فَاسْتَفْتِهِمْ} والضمير
= (٧/ ٣٥٢)، تفسير القرطبي (١٥/ ٦٥)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٠٠)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٦٠٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٩٥)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٥٤٦)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٥٦).
(١) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٧٩) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنها.