{فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤)}
وتضمنت بشراه ثلاثة أمور: أحدها: أن بشر بولد ذكر، وأن الولد يعيش إلى أن يبلغ معه السعي، وأنه يكون حليما، وأي حلم أعظم من الصبر على الذبح؛ حيث قال:
{يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ} (١). وقيل: ما أثني على نبي بالحلم كما أثني على إبراهيم؛ لأن الحلم في الناس قليل. {فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} في الأشغال والحوائج.
وقوله: {مَعَهُ} لا يجوز أن يتعلق ب "بلغ"؛ لأنه يقتضي بلوغهما معا، ولا بالسعي؛ لأنه من صلة المصدر، وصلة المصدر لا تتقدم عليه؛ فبقي أن يكون معمولا لفعل دل عليه المذكور؛ كأن قائلا يقول: فما السعي الذي بلغه معه؟ فقيل: أن يسعى في مهماته ومقاصد أبيه. وقيل: كان عمر الذبيح وقت الأمر بذبحه ثلاث عشرة سنة، وقد حصل منه هذا الحلم العظيم الذي تأباه الطفولية.
أتي في المنام فقيل له: اذبح ابنك، ورؤيا الأنبياء وحي، ولهذا قال الذبيح: {قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ} فجعل ما رآه في المنام أمرا، فأصبح إبراهيم يتروى في هذه الرؤيا أهي حق، أم أضغاث أحلام؟ فسمي يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية وقيل: سمي يوم التروية؛ لأن الناس يتروون من الماء، ويذهبون إلى عرفات، ولا ماء في عرفات، فلما أصبح إبراهيم في اليوم الثاني رأى ما عرف به أن المنام صحيح فسمي ذلك اليوم يوم عرفة، ثم رأى في الليلة الثالثة مثل ذلك فهم بنحره (٢١٩ /ب) فسمي يوم النحر.
وقيل: إن الملائكة بشرته بغلام، فقال: هو إذن ذبيح لله، فلما وضعته امرأته قالت له الملائكة: أوف بنذرك.
فإن قلت: لم شاور إبراهيم ولده في الذبح وهو أمر حتم من الله؟ قلت: لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، وإنما شاوره؛ لينظر ما عنده من القلق أو التثبت. {فَلَمّا أَسْلَما} أسلم هذا ابنه، وأسلم هذا نفسه. {وَتَلَّهُ} ألقاه بقوة على الأرض. وروي أن ذلك عند الصخرة التي بمنى. وقيل: في الموضع المشرف على مسجد منى. وقيل: في المنحر الذي
(١) سورة الصافات، الآية (١٠٢).