أي: كما لا يستوي العالم والجاهل لا يستوي القانتون والعاصون. وقيل: نزلت في عمار ابن ياسر وأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي (١). وعن الحسن: أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو، فقال: هذا تمني، وإنما الرجاء قوله، وتلا هذه الآية (٢).
{قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠)}
{فِي هذِهِ الدُّنْيا} متعلق ب {أَحْسَنُوا} لا ب {حَسَنَةٌ} معناه: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة في الآخرة، وهي دخول الجنة، أي حسنة نكرة تدل على عظمة ما يثابون به وأنه شيء لا يقدر قدره، وقد علقه السدي ب {حَسَنَةٌ} ففسر الحسنة بالصحة والعافية (٣) ومعنى تعلقه ب "حسنة" أنه لو تأخر لكان صفة؛ فإذا تقدم دل على موضع الصفة فلم يخل التقديم بالتعلق (٤). {وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ} لا عذر للمفرطين في الإحسان، ومن ضاقت يده في بلد عن أن تمتد إلى الإحسان فليهاجر؛ فإن أرض الله واسعة. وقيل: هي للذين كانوا مسلمين، وهم في بلاد المشركين فأمروا بالمهاجرة. {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً} الآية. وقيل:
هي أرض الجنة.
{الصّابِرُونَ} الذين صبروا على فراق أوطانهم وعشائرهم. {بِغَيْرِ حِسابٍ} لا يحاسبون عليه. وقيل: بغير مكيال ولا ميزان يحثى لهم حثيا (٢٣٠ /ب) ويغرف لهم الجنة غرفا.
وعن ابن عباس: لا يهتدي إليه حساب الحسّاب (٥).
وفي الحديث: "يؤتى بأهل الصلاة والزكاة والحج فيوفون أجورهم بالموازين، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبا حتى يود أهل العافية أن أجسادهم لو كانت في الدنيا قرضت بالمقاريض لما يرون من أجر الصابرين" (٦).
(١) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٢١٤) لجويبر عن ابن عباس رضي الله عنها.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ١١٧).
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٣/ ٢٠٣).
(٤) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ١١٧).
(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ١١٨).
(٦) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٦٠٥ - ٦٠٦) ونسبه لابن مردويه، وزاد نسبته الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٠٠ - ٢٠١) للطبراني والثعلبي وأبي نعيم والأصبهاني في الترغيب والترهيب.