{وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)}
{إِنْ} نافية أي: فيما ما مكناكم فيه، وأنكر الزمخشري (١) التمثيل بما الثانية؛ لأنه يستقبح إعادة اللفظ الواحد إلا لضرورة، وكان الأحسن أن يقول: فيما لم نمكن، ويدل عليه أنهم جعلوا" مهما ": " مه "دخلت عليها" ما "فكرهوا أن يقولوا" ماما " فقالوا: مهما وقد جعلت {إِنْ} صلة زائدة مثلها فيما أنشده الأخفش من الوافر:
يرجّي المرء ما إن لا يراه ... وتعرض دون أدناه الخطوب (٢)
وتأويله: إنا مكناكم فيما إن مكناكم فيه، ومعنى الأول أظهر، ومثله قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ} (٣) (٢٦١ /أ) {مِنْ شَيْءٍ} من الغنى، وانتصب قوله: {إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ} بقوله: {فَما أَغْنى عَنْهُمْ} ودخلت {إِذْ} وفيها التعليل؛ كما تقول: ضربت زيدا لإساءته، وضربته إذ أساء؛ فإن التعليل يفهم من اللفظين. {ما حَوْلَكُمْ} يا أهل مكة {مِنَ الْقُرى} والمراد أهل القرى؛ لقوله:
{لَعَلَّهُمْ}. القربان: ما تقرب به إلى الله، أي: اتخذوهم شفعاء متقربا بهم إلى الله وأحد مفعولي {اِتَّخَذُوا} الهاء المضمرة تقديره: اتخذوه. والثاني: {آلِهَةً *} و {قُرْباناً} حال، والمعنى: فهلا منعتهم آلهتهم التي اتخذوها شفعاء من الهلاك {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} غابوا عن نصرتهم في الموقف.
و {وَذلِكَ} إشارة إلى منع نصرة آلهتهم لهم، والإفك والأفك؛ كالحذر والحذر، وقد قرئ بهما (٤). {صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً} أملناهم إليك. والنفر: دون العشرة. {فَلَمّا حَضَرُوهُ}
(١) الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٠٨).
(٢) ينظر البيت في: خزانة الأدب للبغدادي (٣/ ٥٦٧)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٤٢)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٤٥)، مغني اللبيب لابن هشام (١/ ٤٧).
(٣) سورة التوبة، الآية (٦٩).
(٤) قرأ" أفكهم "بفتح الهمزة ابن عباس. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٦٤)، تفسير القرطبي (١٦/ ٢٠٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٤٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٢٤)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٦٨).