الضمير للقرآن، أي: فلما كان بمسمع منهم، أو لرسول الله. {قالُوا} قال بعضهم لبعض: {أَنْصِتُوا} اسكتوا. وروي أنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ازداد الرمي بالشهب وحرس السماء بها، فقالت الجن: إنما هذا لأمر حدث في الأرض فبعثوا تسعة. وقيل: سبعة من أشرافهم فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بطن نخلة في صلاة الفجر، أو في صلاة الليل، فاستمعوا لقراءته، وذلك حين توجه إلى جهة ثقيف يستنصرهم، فلم يجيبوه وأغروا به السفهاء والصبيان (١). وعن سعيد بن جبير أنه قال:" لم يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم؛ ولكن مروا به وهو يصلي ولا يشعر، فأنبأه الله باستماعهم " (٢).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لأصحابه:" إني أمرت أن أتلو على الجن القرآن فمن يجيء معي؟ فلم يقل أحد أنا، فقال ابن مسعود: أنا يا رسول الله. فخرجنا حتى أتينا وادي الحجون، فخط لي خطا، فقال: اجلس هاهنا ولا تخرج، ثم ذهب عني حتى غاب عن عيني، وجاء الجن كقطع السحاب فقرأ عليهم سورة {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فلما قضى جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الجن ذاهبين كقطع السحاب " (٣).
{قالُوا يا قَوْمَنا إِنّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)}
قيل: كان جملتهم اثني عشر ألفا، وإنما قالوا: {مِنْ بَعْدِ مُوسى} ولم يذكروا عيسى؛ لأن أولئك الجن كان يهودا لا يصدقون بعيسى، واختلف في الجن؛ هل لهم ثواب على الطاعة أم لا؟ فقيل: لا ثواب (٢٦١ /ب) لهم، وإنما يجارون من العذاب؛ لقوله ههنا.
{وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} والصحيح أنهم يثابون. {بِقَدَرٍ *} في محل الرفع خبر أن،
(١) روى نحوه الطبري في تفسيره (٢٩/ ١٠٣)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٢٩٧) لابن المنذر.
(٢) رواه الترمذي في سننه رقم (٣٣٢٣)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (٢/ ٥٤٦)، والطبري في تفسيره (٢٩/ ١٠٢)، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٦/ ٣٢)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٥٤٧).