وقالت المشايخ ﵏: الرضا بالقضاء باب الله الأعظم.
وفسَّرَهُ الأستاذ أبو القاسم القشيريُّ بأنَّ من أُكْرِمَ بالرضا فقد لُقِيَ بالتَّرحيب الأوفي، وَشُرِّفَ بالتَّقريب الأعلى.
ويجوز أن يُفَسَّرَ أنَّ الباب الأعظم من أبواب الوصول يدخل منه الخواص المكرمون بالقبول؛ ولذلك قال الأستاذ أبو علي الدقاق: طريق السالكين أطول وهو طريق الرياضة، وطريق الخواص أقرب لكنه أشق وهو العمل بالرضا والرضا بالقضاء.
وَاعْلَمْ أن الناس في الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ثَلَاثَةُ أصناف:
فَقَوْمٌ يُحِسُّون بالبلاء وَيَكْرَهُونَهُ لكنهم يَصْبِرُونَ على حُكْمِهِ، وَيَتْرُكُونَ تَدْبِيرَهُمْ وَنَظَرَهُمْ حبا لله تعالى؛ لأن تدبير العقل لا يَنْطَبِقُ على رُسُومِ الْمَحَبَّةِ والهوى، قال قَائِلُهُمْ:
لَنْ يَضْبِطَ الْعَقْلُ إِلَّا مَا يُدَبِّرُهُ … وَلَا تَرَى لِلْهَوَى فِي العَقْلِ تَدْبِيرَا
كُنْ مُحْسِنًا أَوْ مُسِيْئًا وَابْقَ لِي أَبَدًا … فَكُنْ لَدَيَّ عَلَى الْحَالَيْنِ مَشْكُورَا (١)
وَفِرْقَةٌ ثانية يَضُمُّونَ إلى سكون الظاهر سُكُونَ القلب بالاجتهاد والرياضة وإن أَتَى الْبَلَاءُ على أنفسهم بل: بسيط
يَسْتَعْذِبُونَ بَلَايَاهُمْ كَأَنَّهُمُ … لَا يَيْأَسْونَ مِنَ الدُّنْيَا إِذَا قُتِلُوا
ولذلك قال ذُو النُّونِ: الرضا سُرُورُ القلب بِمُرُورِ القضاء.
وقالت رَابِعَةُ: إنما يَكُونُ العبد رَاضِيًا إذا سَرَّتْهُ الْبَلِيَّةُ كما سَرَّتْهُ النِّعْمَةُ.
(١) الأبيات من البسيط، وهي لأبي بكر الأصبهاني، انظر "أمالي الزجاجي" (ص ٢٦).