وقوله: "اسْتَشَارَ رَسُولُ الله ﷺ" يعني: في شأنِ الأُسَراءِ، فمالَ رأيُ أبي بكرٍ إلى التخفيفِ لداعية الرحمة، ورأيُ عمرَ إلى التشديد لداعية الغيرة، وشبههما النَّبِيُّ ﷺ في اختلاف رأييهما وقوليهما بمثله فيما بين الأنبياء.
فَأَخْبَرَنَا الإمام أحمد بن إسماعيل سَمَاعًا أو إِجَازَةً، عن عبد الْجَبَّار الْخُوَارِيُّ، عن عَلِيِّ بن أحمد (١) قال: أَنَبَا أبو بكر الْحِيرِيُّ، ثنا حَاجِبُ بن أحمد، ثنا محمد بن حَمَّادٍ، ثنا أبو مُعَاوِيَةَ، عن الْأَعْمَشِ، عن عَمْرِو بن مُرَّةَ، عن أبي عُبَيْدَةَ، عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ يوم بَدْرٍ: "مَا تَقُولُونَ في هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى؟ ".
فقال أبو بكر: قَوْمُكَ (وَأَصْلُكَ) (٢) اسْتَبْقِهِمْ واسْتَأْنِ بِهِمْ لَعَلَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.
وقال عُمَرُ: كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ قَدِّمْهُمْ واضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ.
وقال ابن رَوَاحَةَ: انْظُرُوا وَادِيًا كثير الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فيه ثُمَّ أَضْرِمْ عليهم النَّارَ.
فَسَكَتَ رسول الله ﷺ ولم يُجِبْهُمْ.
فقال نَاسٌ: نَأْخُذُ بقول أبي بكر، وقال نَاسٌ: نَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، ثم خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
"إن مَثَلَكَ يا أبا بكر كَمَثَلِ إبراهيم قال: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (إبراهيم ٣٦)، وَكَمَثَلِ عيسى قال: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (المائدة ١١٨).
(١) هو: أبو الحسن الواحدي. والحديث رواه في "أسباب النزول" (ص ١٣٣).
(٢) في "المسند": وأهلك. والمثبت من س، د، "أسباب النزول"، "تاريخ دمشق".