نطقا بألسنتهم عبر بالزعم وكنى بالطاغوت فيما ذكره المفسرون عن كعب بن الأشرف قال تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به " ولم تؤمر يهود أن يكفروا بأحبارهم ما لم يحرفوا وإنما المأمورون بالكفر منهم المؤمنون حين ظهر تحريفهم وتبديلهم ثم قال تعالى: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول " أى للحكم بينهم بما أنزل الله صدوا عنه ونفروا إلى التحاكم عند كعب بن الأشرف أو عند الكاهن على الاختلاف فى ذلك.
وأما آية المائدة فمبنية على ما تقدمها من مرتكبات أهل الجاهلية وما سنوه تقليدا أو اتباعا لعمرو بن لحي وأشباهه ممن سن مثل تغييرا لملة إبراهيم عليه السلام فدان بفعلهم فى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
أما البحيرة فهى المشقوق أذنها طولا بنصفين متروكة ترعى وترد الماء لا ينتفع بشئ منها فإذا ماتت أكلها الرجال وحرمت على النساء وذلك إذا ولدت أبطنا قبل عشرة وقبل غير ذلك وكل ضلال باطل.
وأما السائبة فالناقة تسيب للآلهة وأيضا إذا اتبعت إناثا ثنتى عشرة لا ذكر فيها.
وأما الوصيلة فالشاة إذا ولدت ثلاثة بطون أو خمسة إن كان آخرها ذكرا ذبحوه لآلهتهم وإن كان أنثى استحيوها وقالوا إن الأنثى قد وصلت آخاها ومنعته أن يذبح وقيل غير هذا.
والحام فحل الإبل إذا ضرب فيها عشرة أعوام أو ولد من ظهره عشرة قيل ظهره فسيب.
فالضمير من قوله "وإذا قيل لهم " راجع إلى القائلين بهذه الأشياء المتبعين فيها لآبائهم فبين تعالى وحكم فيها بقوله "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ".
إلى قوله "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " فحكم هذه الأشياء بين واضح من كتاب الله لا يفتقر فى تعرفه إلى غير سماعه إذا حصل التصديق به وسواء سمع ذلك منه صلى الله عليه وسلم أو من غيره لتواتر نقله فلهذا لم يذكر هنا دعاء إلى زائد على المنزل.
أما آية النساء ففى قضية تخاصم لابد من التحاكم فيها إلى مجتهد يفصل فيها بما فهمه الله من كتابه والآتى به صلى الله عليه وسلم هو المبين ما فيه والمعصوم فيما بين منه ويحكم به والقضية واقعة حال وجوده وحضوره فإليه صلى الله عليه وسلم المرجع فلهذا قيل فى تلك الآية "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول " ولم يكن عكس الوارد فى الآيتين ليناسب والله أعلم.
الآية العاشرة:
قوله تعالى: "ومن أصدق من الله حديثا " وبعد