هذا "ومن أصدق من الله قيلا "،
للسائل أن يسأل عن اختلاف التعبيرين مع أن المتقدم فى كل من الآيتين إخبار أخراوى.
ففى الأولى "ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " وفى الثانية وما وعد الله به المؤمنين فى قوله "سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار " ثم جئ بالتمييز مختلفا فقيل فى الأولى "ومن أصدق من الله حديثا " وفى الثانية "ومن أصدق من الله قيلا " فخولف فى العبارة مع وحدة المعنى فيسأل عن ذلك وهل كان يجوز العكس؟
والجواب أن التعبير الثانى مبنى على ما يجب ربطه به من قوله "وعد الله حقا " وقيل "ومن أصدق من الله قيلا " وأنيب مناب وعدا فكأن قد قيل: ومن أصدق من الله وعدا وهو ما وعدهم به تعالى من النعيم وعظيم الإحسان فجئ بلفظ يوازن المصدر عن قبله وهما وعدا وحقا ويشابههما فى الخفة فسكون عين الكلمة وعدد حروفها كالمصدرين قبلها وكأنه إنما أريد تكرار المصدر بلفظه فاستثقل التكرار للتقارب وعادة العرب فى ذلك فعدل إلى ما يجاريه ويحرز المعنى ولتجرى المصادر الثلاثة مجرى واحدا خفة ووزنا إحرازا للتناسب والتلاؤم.
ولما لم يتقدم فى الآية الأولى ما يستلزم هذا وإن قوله تعالى "ليجمعنكم إلى يوم القيامة " إخبار وحديث عن البعث بعد الموت وجمع الخلق لحسابهم ومجازاتهم على الخير والشر فهو إخبار وإنباء، ومثله ما ورد فى قوله تعالى إخبارا عن قول منكرى البعث "هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق "الآية فالإنباء هنا هو ذلك الخبر الصدق منه تعالى بقوله "ليجمعنكم إلى يوم القيامة " الآية فقد وضح ورود كل واحدة من الآيتين على ما يناسب ويلائم والله أعلم.
الآية الحاية عشرة:
قوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين
...الآية " وفى الأنفال: "ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب " وفى الحشر: "ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله فإن الله شديد العقاب "
للسائل أن يسأل عن إدغام الوارد فى الحشر وفك الإدغام فى السورتين قبل ما وجه ذلك مع أن الفك والإدغام فصيحان؟
الجواب أن الإدغام تخفيف وليس بالأصل فورد فى النساء على الأصل ولم يقترن به ما يستدعى تخفيفه ولا سؤال فى ذلك ولما تقدم فى سورة الحشر قوله تعالى: " ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله "وتقد الماضى مدغما ولم يسمع فى الماضى إلا تلك اللغة،