فجئ بما حمل عليه من قوله: "ومن يشاق الله " مدغما ليحصل مجئ الإدغام قبله فى الماضى من قوله "ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله " وعطف "ورسوله " على اسم الله تعالى وقد وردت نسبة المشاقة لله ورسوله وورد ذلك بالعطف بالواو الجامعة وهو ما يناسب الفك فاستدعى الموضع داعيان:
أحدهما ما قبله من الإدغام،
والثانى ما بعده من العطف المشبه للفك، فروعى البعدى لأنه أقوى فى الرعى كما فعلوا فى الإمالة فلم يميلوا مناشيط وما كان مثله مما تأخر فيه حرف الاستعلاء وإن حال بينه وبين الألف حرفان ومع ذلك فإنه يمنع الإمالة وليس كذلك فى قوة المنع إذا تقدم مع حائل فكذا فعلوا فيما تقدم فراعوا ما بعد كما ذكرنا فلم يدغموا إذ المتقدم فى قوة المفروع منه المنقطع المتصل بعد فى النطق أقرب، فورد على ما يجب ويناسب.
الآية الثانية عشرة:
قوله تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا "
وفى آية أخرى بعد
"ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما "
فيهما سؤالان:
قوله فى الأولى "وإن تحسنوا وتتقوا " وفى الثانية "وإن تصلحوا " والختامان "خبيرا " فى الأولى و"غفورا " فى الثانية.
والجواب والله أعلم: أن الآية الأولى فيما بين المرأة وزوجها فإذا خافت منه وأرادت تآلفه وبقاءه وكينونتها فى عصمته فلا جناح عليهما أن تعطى شيئا من نفسها وتترك بعض حقها كأن تؤثر ضرتها فى القسمة أو تترك هى حظها كما فعلت سودة رضى الله عنها أو تهب له من حالها لا جناح عليهما فى هذا ولا على زوجها فى قبول ذلك منها وإن كان الطبع يأبى من إسقاط حق أو تنقصه لما جبلت عليه النفوس وإليه الإشارة بقوله تعالى: "وأحضرت الأنفس الشح " ثم قال تعالى: "وإن تحسنوا وتتقوا " فندب كلا منهما إلى الإحسان والتقوى والزوج أخص بذلك وأولى وأن يحتمل كل منهما من صاحبه ويصبر فإن الله مطلع عليه خبير بما يكنه ويخفيه،
ثم قال: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بيم النساء ولو حرصتم " لأن القلوب لا تملك ولا بيد الإنسان فسادها ولا صلاحها فإن عدل فى القسمة والمحادثة والإنفاق والنظر وبشاشة الوجه وجميل الملاقاة وفرضنا اجتهاده فى هذا كله حتى تحصل المساواة