"وجعل منها زوجها " فلما قصد هنا من معنى السكن وكأنه أريد نفى المغايرة تقريبا وتأنيسا لحصول الركون والسكن الذى جعله الله من آياته ونعمه لتستحكم سببية التناسل والتكثير فكانت جعل أوقع فى هذا الغرض ثم إن الخبر وارد بخلق حواء من ضلع آدم فهذا نحو من المتقدم فى سورة الأنعام وعبر فى سورة النساء بخلق لمقصود الآية من التعريف بالأولية والابتداء
ولمناسبة ما اتصل بها من قوله "خلقكم " حتى يوافقه من اللفظ ما قصد من المعنى.
وأما الجواب عن السؤال الثالث وهو زيادة "ثم " فى سورة الزمر فلما قصد من الامتنان والإنعام على الجنس الآدمى ولتفاوت ما بين الآيتين العجيبتين من خلق الصنف الإنسانى من شخص واحد وخلق زوجه فجئ بثم المنبهة على معنى الاعتناء بذكر ما عطف بها والتأكيد لشأنه للمزية على المعطوف عليه القائمة مقام التراخى فى الزمان.
قال الزمخشرى: فإن قلت ما معنى قوله "ثم جعل منها زوجها " وما تعطيه من معنى التراخى؟ قلت: هما آيتان من جملة الآيات التى عددها دالا على وحدانيته وقدرته وهما تشعب هذا الخلق الفائت للحصر وانتشاره من نفس آدم وخلق حواء من قصيراه إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة والأخرى لم يجر بها العادة ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل فكانت أدخل فى كونها آية وأجلب لعجب السامع فعطفها بثم على الآية الأولى للدلالة على مباينتها لها فضلا ومزية وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية فهو من التراخى فى الحال والمنزلة لا من التراخى فى الوجود.
قلت وعلى هذا المأخذ يسقط الاعتراض بأن ثم قد تجرى مجرى الواو فلا تقتضى الترتيب الزمانى لزوما أما إذا قلنا إنها ترد لقصد التفاوت والتراخى الزمانى لزوما ولا تحتاج إلى انفصال عن ذلك الاعتراض ولا أن تقول: إن ثم قد تكون بمعنى الواو قلت ومن ورود ثم لما ذكرنا من تراخى الرتبة قوله جل وتعالى: "وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال الزمخشرى: ومنه قوله تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ".
وكلمة التراخى دلت على ثبات المنزلتين دلالتهما على تباين المرتبتين فى جاءنى زيد ثم عمرو؟ أعنى أن منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه لأنها أعلى منها وأفضل ومنه قوله تعالى: "إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر "، قال الزمخشرى:
إن قلت ما معنى ثم الداخلة فى تكرير الدعاء قلت: الدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى ونحوه قوله: