وملخّص ما أقوله فى حقّه: إنّى ما رأيت مثله فى الديار الرومية، ولا رأى هو مثل نفسه، فنسأل الله تعالى أن يمدّ فى أجله، وأن يعينه على فعل الخيرات، وإزالة المنكرات، بمنّه وكرمه.
وقد مدحته الشعراء، وكاتبته الفضلاء، وراسلوه وراسلهم، ولولا أنّى سطّرت هذه الترجمة وأنا على جناح السّفر، واشتغال الفكر، لجمعت كثيرا ممّا مدح به، وألّف فى الثّناء عليه، ولكن على كلّ خير مانع.
ومن جملة محبّيه ومادحيه، جامع هذه «الطبقات»، ومن ذلك بعض أبيات قلتها فى أثناء رسالة أرسلتها إلى حضرته الشريفة، من ثغر إسكندريّة، وأنا متوجّه إلى مصر المحميّة، بعد أن سمعت الناس يقولون: إن بعض أرباب الدّولة شفعوا عنده فى إعادة قضاء الفيّوم لقاضيها السّابق، وأنه امتنع من ذلك أشدّ الامتناع، فقلت:
إلهى إنّ صنعك قد تلافى … أمورى كلّها قبل التّلاف
وقدّمنى وأخّر كلّ ضدّ … أراه الدّهر يسعى فى خلافى
إلهى كن لصنع الله عونا … وعامله بفضل منك وافى
وقدّمه على رغم الأعادى … وأخّرهم كتأخير الخوافى
ولا تجعل لدولته انقطاعا … إلى يوم القيامة والتّكافى
وقد استجاب الله تعالى دعانا، وله الحمد والمنّة.
*وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا* (١) …
ثم بعد مدّة طويلة سافرت إلى الديار الرّوميّة، ورأيته على جانب عظيم من الهيبة والوقار، والرّفعة والتواضع، ونفاذ الكلمة، أكثر من ذلك حين كان فى قضاء العسكر، وهذه عادة الله تعالى فى عباده، أنّ من أطاعه يطيع له العباد، ومن عصاه يعصيه كلّ أحد حتى الأهل والأولاد.
ورأيت بمدينة إصطنبول من التّغيّرات والتّبدّلات، وأكل الرّشا، وإعطاء المناصب لغير أهلها، ووضع الأمور فى غير محلّها، وقلّة الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر، وغير
(١) هذا عجز بيت للنابغة الجعدى، وصدره:
*بلغنا السماء مجدنا وجدودنا*
ديوانه ٥١.