وروى عن بعضهم، أنّه قال: كنت عند الرّشيد يوما، فرفع إليه فى قاض كان استقضاه يقال له عافية، فكبر عليه، وأمر بإحضاره، فأحضر، وكان فى المجلس جمع كثير، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه على/ما رفع إليه، وطال المجلس، ثم إنّ أمير المؤمنين عطس، فشمّته من كان بالحضرة ممّن قرب منه سواه، فإنّه لم يشمّته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمّتنى كما فعل القوم؟ فقال له عافية: لأنّك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله، فلذلك لم أشمّتك، هذا النبىّ ﷺ عطس عنده رجلان، فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر، فقال: يا رسول الله مالك شمّت ذلك ولم تشمّتنى. قال:
«لأنّ هذا حمد الله فشمّتناه، وأنت فلم تحمده فلم أشمّتك» (١). فقال له الرشيد:
ارجع إلى عملك، أنت لم تسامح فى عطسة، تسامح فى غيرها. وصرفه منصرفا جميلا، وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عليه.
وقال ابن الأعرابىّ: خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية، رحمه الله تعالى، فقال (٢):
لقد خاصمتنى غواة الرجال … وخاصمتهم سنة وافيه
فما أدحض الله لى حجّة … وما خيّب الله لى قافيه
فمن كنت من جوره خائفا … فلست أخافك يا عافيه
فقال له عافية: لأشكونّك إلى أمير المؤمنين. قال: لم تشكونى؟ قال: لأنّك هجوتنى. قال: والله لئن شكوتنى إليه ليعزلنّك. قال: ولم؟ قال: لأنّك لا تعرف الهجاء من المديح. رحمه الله تعالى ما كان أصفى نيّته، وأسلم طويّته. نفعنا الله ببركاته، آمين.
***
١٠١٥ - عالم بن العلاء (*)
صاحب «الفتاوى التّاتارخانيّة» المشهورة.
(١) أخرجه البخارى، فى: باب الحمد للعطس، وباب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله، من كتاب الأدب. صحيح البخارى ٦١،٨/ ٦٠. ومسلم، فى: باب تشميت العاطس … ، من كتاب الزهد والرقائق. صحيح مسلم ٤/ ٢٢٩٢. وأبو داود، فى: باب فى من يعطس ولا يحمد الله، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٦٠٤. والترمذى، فى: باب ما جاء فى إيجاب التشميت بحمد العاطس، من كتاب الأدب. عارضة الأحوذى ٨/ ٢٠٢. وابن ماجه، فى: باب تشميت العاطس، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه ٢/ ١٢٢٣. والدارمى، فى: باب إذا لم يحمد الله لا يشمته، من كتاب الاستئذان. سنن الدارمى ٢٨٤،٢/ ٢٨٣. والإمام أحمد، فى: المسند ١٧٦،١١٧،٣/ ١٠٠.
(٢) تاريخ بغداد ١٢/ ٣١٠.
(*) ترجمته فى: كشف الظنون ٩٤٧،١/ ٢٦٨، هدية العارفين ١/ ٤٣٥. وفيهما أن وفاته سنة ست وثمانين ومائتين.