منصبا، وأشرف منسبا؛ فتحفة الشيخ إذ أهدى ما لا تشاكله النّعم، ولا تعادله القيم، كتاب الله وبيانه، وكلامه وفرقانه، ووحيه وتنزيله، وهداه وسبيله، ومعجز رسول الله ﷺ ودليله، طبع دون معارضيه على الشّفاه، وختم على الخواطر والأفواه، فقصّر عنه الثّقلان، وبقى ما بقى الملوان، لائح سراجه، واضح منهاجه، منير دليله، عميق تأويله يقصم كلّ شيطان مريد، ويذلّ كلّ جبّار عنيد، وفضائل القرآن، لا تحصى فى ألف قران، فأصف الحظّ الذى بهر الطّرف، وفاق الوصف، وجمع صحّة الأقسام، وزاد فى نخوة الأقلام، بل أصفه بترك الوصف، فأخباره آثاره، وعينه فراره، وحقّا أقول: إنّى لا أحسب أحدا ما خلا الملوك جمع من المصاحف ما جمعت، وابتدع فى استكتابها ما ابتدعت، وإنّ هذا المصحف لزائد على جميعها، زيادة الغرّة على القرحة (١)، بل زيادة الحجّ على العمرة.
لقد أهديته علقا نفيسا … وما يهدى النّفيس سوى النّفيس
قال الثّعالبىّ: ومحاسن فخر الصّاحب تستغرق الدّفاتر، وتستنزف فى الانتخاب منها الخواطر، وليس يتّسع هذا الكتاب لغيض من فيضها، وقطرة من سيحها.
ثم قال: هذا ما اخترته من ملح شعره فى الغزل، وما يتعلّق به. وأورد منه شيئا كثيرا، منه قوله (٢):
تسحّب ما أردت على الصّباح … فهم ليل وأنت أخو الصّباح
لقد أولاك ربّك كلّ حسن … وقد ولاّك مملكة الملاح
وبعد فليس يحضرنى شراب … فأنعم من رضابك لى براح
وليس لدىّ نقل فارتهنّى … بنقل من ثناياك الوضاح
وقوله أيضا (٢):
علىّ كالغزال وكالغزالة … رأيت به هلالا فى غلاله
كأنّ بياض غرّته رشاد … كأنّ سواد طرّته ضلاله
كأنّ الله أرسله نبيّا … وصيّر حسنه أقوى دلاله
وقوله أيضا (٢):
(١) القرحة، بالضم فى وجه الفرس: دون الغرة.
(٢) يتيمة الدهر ٣/ ٢٥٧.