ومتّفقة عليه ألسن الرّواة، يدلّ على أنّه لم يزل آخذا برأيه، مصوّبا لأقواله، ذاهبا إلى مذهبه، رضى الله تعالى عنهما، وجمع بينهما فى دار كرامته.
ولا يلتفت إلى ما يلفّقه الخطيب البغداذىّ فى «تاريخه»، من كلام يحكيه عن ابن المبارك، وينسبه إليه، ويرويه عنه، ممّا يريد الخطيب أن يشنّع به على أبى حنيفة، رضى الله تعالى عنه؛ فإنّ تعصّبه معلوم، وبغضه غير مكتوم، حتى إنّ بعض الأفاضل صنّف فى الرّدّ عليه كتابا سمّاه «السّهم المصيب فى كبد الخطيب».
وحيث كان الأمر على ما ذكرنا، والشّان على ما قرّرنا، وجب أن نذكره فى جملة الأصحاب، ونجمّل بنشر محاسنه طىّ هذا الكتاب، كما ذكر جميع من صنّف فى تراجم الحنفيّة، وعدّوه من أئمّتهم المرضيّة، فنقول وبالله التوفيق:
ذكره الحافظ الذّهبىّ، فى «طبقات الحفّاظ»، وقال فى حقّه (١): الإمام الحافظ، العلاّمة، شيخ الإسلام، فخر المدرّسين، قدوة الزاهدين، أبو عبد الرحمن الحنظلىّ مولاهم، التّركىّ الأب، الخوارزمىّ الأمّ، التاجر السّفّار، صاحب التصانيف النافعة، والرّحلات الشاسعة، ولد سنة ثمانى عشرة ومائة، أو بعدها بعام، وأفنى عمره فى الأسفار، حاجّا ومجاهدا، وتاجرا. سمع سليمان التّيمىّ، وعاصما الأحول، وحميدا الطّويل، والربيع بن أنس، وهشام بن عروة، والجريرىّ، وإسماعيل بن أبى خالد، وخالدا الحذّاء، ويزيد بن عبد الله بن أبى بردة، وأمما سواهم، حتى كتب عمّن هو أصغر منه. دوّن العلم فى الأبواب، وفى الغزو، والزهد، والرّقائق، وغير ذلك. حدّث عنه خلق لا يحصون من أهل الأقاليم، فإنّه من صباه ما فتر عن السّفر، منهم: عبد الرحمن بن مهدىّ، ويحيى بن معين، وحبّان بن موسى، وأبو بكر ابن أبى شيبة، وأخوه عثمان، وأحمد بن منيع، وأحمد ابن حنبل المروزىّ، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحسين بن الحسن المروزىّ، والحسن بن عرفة.
قال-أعنى الذّهبىّ -: ووقع لى من غير وجه عاليا، وبالإجازة بينى وبينه، ستّة أنفس، ووالله إنّى لأحبّه فى الله، وأرجو الخير بحبّه، لما منحه الله من التقوى، والعبادة، والإخلاص، وسعة العلم، والإتقان، والمواساة، والفتوّة، والصّفات الحميدة. انتهى.
وعن ابن مهدىّ: الأئمة أربعة: مالك،/والثّورىّ، وحمّاد بن زيد، وابن المبارك.
(١) تذكرة الحفاظ ١/ ٢٧٤ وما بعدها.