كلامه، على لغة أهل بلده وهى غير شاذّة/، ولم يدوّنها فى كتاب من كتبه، يكون لحّانا قليل العربيّة. هذا الإمام الشافعىّ رحمه الله تعالى، مع كونه ممّن يحتجّ بقوله فى اللغة، قال فى بعض تآليفه: «ماء عذب أو مالح»، فقال: «مالح» ولم يقل «ملح» وهى لغة شاذّة، أنكرها أكثر أهل اللغة، ولم يقل أحد فى حقّه بسبب ذلك، إنه كان قليل العربيّة واللغة، ولكن جرى الأمر فى ذلك على قول الشاعر (١):
وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة … كما أنّ عين السّخط تبدى المساويا
وقد ذكر بعض من صنّف فى مناقب الإمام الأعظم، فى حقّ الإمام الشافعىّ من مثل هذه المؤاخذات شيئا كثيرا، أضربنا عن ذكره؛ لعدم الفائدة، ولأنّ الأليق بكلّ إنسان أن يكفّ لسانه عن التكلّم فى حقّ مثل هؤلاء الأئمة، الذين اتّفق الناس على علمهم، وصلاحهم، وعلوّ مقامهم، إلاّ بخير؛ فإنه قلّما أطلق أحد لسانه فى حق السّلف، إلاّ وعجّلت له النّكبة فى الدنيا قبل الآخرة، عصمنا الله من ذلك بمنّه وكرمه.
*** ومن جملة التّشنيعات (٢) فى حقّ الإمام، رضى الله تعالى عنه (٣)، قول بعض الحسّاد: إنه كان قليل الرّواية، وليس له إحاطة بكثير من الأحاديث والآثار، كغيره من مجتهدى عصره، ومن تأخّر بقليل عنهم.
والجواب عن ذلك هو المنع؛ بدليل أنّ أبا حنيفة، رضى الله تعالى عنه، كان أكثر الناس تفريعا للأحكام، ووضعا للمسائل، وكثرة الفروع تدلّ على كثرة الأصول، وصحّتها على صحّتها، وقد سلّموا أن أبا حنيفة أقوى فى القياس من غيره، وأعرف به من سواه، وإنما يقاس على الكتاب والأثر، وكثرة قياسه فى المسائل تدلّ على كثرة اطّلاعه على الآثار، وكثرة إحاطته بها.
وإنما قلّت الرّواية عنه لما ذكرناه سابقا، من كونه كان يشترط فى جواز الرّواية حفظ الرّاوى لما يرويه من يوم سمعه إلى يوم يحدّث به، ولأنه صاحب مذهب، نصب نفسه
(١) هذا البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وهو فى العقد الفريد ٢/ ٣٤٨.
(٢) انظر تاريخ بغداد ١٣/ ٤٢٠.
(٣) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.