وذكره القفطىّ، فى «تاريخ النّحاة»، وقال: كان من العلماء القائمين بعلوم كثيرة؛ منها:
النحو، واللغة، ومعرفة النّسب، والحفظ لأيّام العرب وأخبار المتقدّمين، وله أنس شديد بعلم الحديث. انتهى.
وكان فى أخلاقه شراسة على من يقرءون عليه، ولم يكن يلبس سراويل، ولا على رأسه غطاء. وكان زاهدا فى الدنيا، وعرف الناس منه ذلك، وإلا كانوا يرمونه بالحجارة لهيئته، وكان يتكبّر على أولاد الأغنياء، وإذا رأى الطالب غريبا أقبل عليه.
وكان متعصّبا لأبى حنيفة، محترما بين أصحابه.
ولمّا ورد الوزير عميد الدين إلى بغداد، استحضره، فأعجبه كلامه، فعرض عليه مالا، فلم يقبله، فأعطاه مصحفا بخطّ ابن البوّاب، وعكّازا حملت إليه من الرّوم مليحة، فأخذهما، فقال له أبو على بن الوليد المتكلّم: أنت تحفظ القرآن، وبيدك عصا تتوكّأ عليها، فلم تأخذ شيئا فيه شبهة؟ فنهض ابن برهان فى الحال إلى قاضى القضاة ابن الدّامغانىّ، وقال له: لقد كدت أهلك حتى نبّهنى أبو على بن الوليد، وهو أصغر سنّا منّى، وأريد أن تعيد العكّازة والمصحف إلى عميد الدين فما يصحبانى. فأخذهما، وأعادهما إليه.
وكان مع ذلك يحبّ مشاهدة المليح، وتحضره أولاد الأمراء والرؤساء، فيقبّلهم بحضرة آبائهم، ولا ينكرون عليه ذلك؛ لعلمهم بدينه وورعه.
مات فى جمادى الآخرة، سنة ستّ وخمسين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
ومن شعره قوله (١):
أحبّتنا بأبى أنتم … وسقيا لكم اينما كنتم
أطلتم عذابى بميعادكم … وقلتم تزوروا وما زرتم (٢)
فإن لم تجودوا على عبدكم … فإنّ المعزّى به أنتم
***
١٣٣٩ - عبد الواحد بن محمد العجمىّ، ثم الرّومىّ (*)
كان رجلا عالما، عارفا بالعلوم الأدبيّة، بارعا فى العلوم العقليّة والنّقليّة.
(١) الأبيات فى: إنباه الرواة ٢/ ٢١٥، دمية القصر ٢/ ٥٠٤، فوات الوفيات ٢/ ٤١٦.
(٢) كذا فى النسخ، وفوات الوفيات، والمؤلف ينقل عنه. وفى الإنباه والدمية: «وقلتم نزور».
(*) ترجمته فى: الفوائد البهية ١١٣، كتائب أعلام الأخيار، برقم ٦٢٩، كشف الظنون ٢/ ١٩٧١. واسمه فيه: «عبد الواجد». وفى حاشيته أنه توفى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة. ونسبته فى الفوائد: «السيرامى».