وروى سبط (١) ابن الجوزىّ فى «مرآة الزمان» بسنده عن أبى الحسن على بن محمّد ابن أبى جعفر بن البهلول، قال: طلبت السّيدة أمّ المقتدر من جدّى كتاب وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وكان الكتاب فى ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه، وتتملّك الوقف، ولم يعلم أحد بذلك، فحمله إلى الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب، فأين ترسم؟
فقالوا: نريد أن يكون عندنا.
فأحسّ بالأمر، فقال لأمّ موسى القهرمانة: تقولين لأمّ المقتدر السّيّدة، اتّقى الله، هذا والله ما لا سبيل إليه أبدا، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم؛ فإن مكّنتمونى من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفونى، وتسلّموا الدّيوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأمّا أن يفعل شئ من هذا على يدى فو الله لا كان ذلك أبدا، ولو عرضت على السّيف.
ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيّارة، وهو لا يشك فى الصرف، فصعد إلى ابن الفرات، وحدّثه بالحديث، فقال: ألا دافعت عن الجواب، وعرّفتنى حتى أكتب، وأملى فى ذلك، والآن، أنت مصروف، فلا حيلة لى مع السّيّدة فى أمرك.
قال: وأدّت القهرمانة الرسالة إلى السّيّدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاها فى ذلك، فكشف له الصّورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء.
فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قلّد القضاء، أقم على ما أنت عليه، بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلّك عندنا.
قال: فلما عاودت السّيّدة، قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللّعب بها، وابن البهلول مأمون علينا، محبّ لدولتنا، ولو كان هذا شيئا يجوز لما منعك (٢) إيّاه.
فقالت السّيّدة: كأنّ هذا لا يجوز!.
فقيل لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبها ابن عبد الحميد شرح الأمر، وأن الشراء لا يصحّ بتمزيق الكتاب، وأن هذا لا يحلّ، فارتجعت المال وفسخت
(١) تكملة يصح بها السياق.
(٢) فى ص: «منعتك»، والمثبت فى: ط، ن.