الشّراء، وعادت تشكر جدّى، وانقلب ذلك أمرا جميلا عندهم، فقال جدّى بعد ذلك: من قدّم أمر الله على أمر المخلوق كفاه الله شرّهم.
وحدّث القاضى أبو نصر يوسف بن عمر بن القاضى أبى عمر محمد بن يوسف، قال:
كنت أحضر/دار المقتدر، وأنا غلام حدث بالسّواد، مع أبى أبى الحسين، وهو يومئذ يخلف أباه أبا عمر، وكنت أرى فى بعض المواكب أبا جعفر القاضى يحضر بالسّواد، فإذا رآه أبى عدل إلى موضعه، فجلس عنده، فيتذاكران بالشّعر والأدب والعلم، حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كثير، كما يجتمع على القصّاص، استحسانا لما يجرى بينهما؛ فسمعته يوما قد أنشد بيتا، لا أذكره الآن، فقال له أبى: أيها القاضى، إنّى أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية.
فصاح عليه أبو جعفر صيحة عظيمة، وقال، اسكت ألى تقول هذا، وأنا أحفظ لنفسى من شعرى خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافها. يكرّرها مرارا.
وحدّث القاضى أبو طالب محمّد بن القاضى أبى جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبى فى جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه جالس أبو جعفر الطّبرىّ، فأخذ أبى يعظ صاحب المصيبة، ويسلّيه، وينشده أشعارا، ويروى له أخبارا، فداخله الطّبرىّ فى ذلك، ثم اتّسع الأمر بينهما فى المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب، والعلم، استحسنها الحاضرون، وعجبوا منها، وتعالى النّهار، وافترقنا.
فلما جعلت أسير خلفه، قال لى أبى: يا بنىّ، هذا الشيخ الذى داخلنا اليوم فى المذاكرة من هو، أتعرفه؟
فقلت: يا سيّدى، كأنك لم تعرفه!
فقال: لا.
فقلت: هذا أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبرىّ.
فقال: إنا لله، ما أحسنت عشرتى يا بنىّ.
فقلت: كيف يا سيّدى؟.