أولئك، من مال نفسه، على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك، فقال: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك، فلم تغرم، وتضيف ذلك إلينا؟
فقال: والله يا أمير المؤمنين، لو أمكننى أن أجعل ثواب حسناتى لك، وأجهد فى عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمال أنت ملّكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف فيهم الأجر.
فوهبه الواثق مائة ألف درهم، ففرّقها كلّها فى بنى هاشم.
وقال محمّد بن عمر الرّومىّ: ما رأيت أحضر حجّة من أحمد بن أبى دواد؛ قال له الواثق يوما: يا أبا عبد الله، رفعت إلىّ رقعة، فيها أنك ولّيت القضاء رجلا أعمى.
قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الفضل، ولّيته ثم بلغنى أنّه أصيب ببصره، فأردت أن أصرفه، فبلغنى أنّه عمى من كثرة بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، وأمرته أن يستخلف.
قال: وفيها أنك أجزت شاعرا مدحك بألف دينار.
قال: نعم، أجزته بدونها، وهذا شاعر طائىّ -يعنى أبا تمّام-لو لم أحفظ له إلاّ قوله لأمير المؤمنين المعتصم، يحرّضه على استخلافك، فى قصيدة مدحه بها (١):
واشدد بهارون الخلافة إنّه … سكن لوحشتها ودار قرار
فلقد علمت بأنّ ذلك معصم … ما كنت تتركه بغير سوار
فطرب، وأمر لأبى تمّام بجائزة.
وقال له الواثق يوما آخر: يا أحمد، لقد اختلّت بيوت الأموال بطلباتك للاّئذين بك.
فقال: إنّ نتائج شكرها متّصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك.
فقال: لا منعتك بعدها.
(١) ديوان أبى تمام ١٥٥.